"غدًا سأفصح عن خفايا هذه الرحلة السريّة"... كثيراً ما أثارت هذه التغريدة التي رماها النائب وليد جنبلاط قبل أن يخلد الى فراشه في الرابع من كانون الأول الجاري تساؤلات عن الوُجهة التي يسلكها. حسمها أهلُّ الظن بسرعة البرق راكنين الى بعض التسريبات المرتبطة بمجرى "العدالة": الى لاهاي. خاب هؤلاء بعد ساعاتٍ عندما اكتشفوا أن وليد بكّ توجّه الى لندن للقاء "الصديق" جيفري فيلتمان لا الى المحكمة الدولية في لايدسندام.

أيامٌ فصلت تلك الخيبة عن إعادة إحياء فرضيّة أهل الظنّ. ربّما طريق العدالة تمرّ بلندن وأبعد من ذلك بلقاءٍ تشاوري مع السفير الأميركي السابق لدى لبنان، وإلا لمَ قرّرت المحكمة الدولية ضمّ جنبلاط الى لائحة شهودها؟ حتمًا كان الرجل، الذي راقته على ما يبدو تجربة زميله مروان حمادة، على بيّنةٍ من أن اسمَه أصبح على لوائح الشهود، ولا حاجة ليزفّ له ابن الحزب الخبر مقتنصًا إياه من كواليس غرفة الدرجة الأولى. فبكّ المختارة "عرَض خدماته" على المحكمة منذ أسابيع والأخيرة استجابت لما بدا إلماحًا لامتلاكه معلوماتٍ قد تفيد سير المحاكمات الغيابيّة. ربّما حسبها جنبلاط جيًدا وربّما تركها "ربّانية"، وإذا كان مؤكدًا أن الحقيقة لا تقف عند شهادة جنبلاط، فمن غير المؤكّد أن المشهدية السياسيّة الداخلية ستبقى على ما هي عليه بعد شهادة الرجل ومضامينها، وربما قبلها لمجرّد انضمامه الى قافلة الشهود في محكمةٍ لا يعترف حزب الله فيها أصلاً.

يراقب بحذر...
وليد جنبلاط ليس مروان حمادة. فما قد يُسقِط حزب الله الطَرف عنه في كلام حمادة الذي مضت على شهادته الاستفاضيّة أسابيع، لا يمكن إغفاله لو ورد على لسان وليد جنبلاط ولكن لن يحصل ذلك. فجنبلاط المدفوع بمخاصمته لنظام الرئيس بشار الأسد وبصداقته مع الشهيد رفيق الحريري يريد أن يقول ما كان يمثّله الرئيس الشهيد في لبنان والمنطقة. قد يكون حزب الله غير آبهٍ بالمحكمة فعلاً ولكن يغالي من يقول إنه لن يراقب بحذرٍ كلّ كلمةٍ سيتفوّه بها جنبلاط الذي كثيرًا ما حمل لواء الدفاع عن حزب الله حتى في وجه طلَبة الحقيقة (المستقبل) خصوصًا عندما وضع بعضُ أبناء التيار الحزب في خانة واحدة مع "داعش". 

أذكى من أن يغامر...
يثق حزب الله كما تثق قوى 8 آذار برمّتها على ما تؤكد مصادرها لـ "صدى البلد" "بوعي جنبلاط الوطني. فالرجل أكثر من يعرف أن خطورة المرحلة ودقّتها في لبنان تتطلبان مزيدًا من حكمة القول والفعل لا مزيدًا من التهم والتعقيدات، وبالتالي فإن جنبلاط أذكى من أن يغامر بشهاداتٍ عشوائيّة، وإن كان من المتوقع أن يكون النظام السوري بطل شهادته". تمامًا كما لم يعلّق جنبلاط على رحلته القريبة الى لايدسندام لم يستبق حزب الله وحلفاؤه السيناريوهات المرتقبة لمثل هذه الشهادة. وتشير مصادر حكومية عبر "صدى البلد" الى أن "شهادة جنبلاط إجراء روتيني لا بدّ منه في المحاكم الدولية متى ثبُتت إمكانية تقديمه إضافة ما الى مسار العدالة وبالتالي ليست المسألة مطروحة بشكل مبالغ فيه كما يحاول الكثيرون تصوير الأمور ويُسقطون نتائجها على العلاقة بين حزب الله وجنبلاط".

لا غضب... لا عتب
أحدٌ لا يعرف ما سيقوله الرجل هناك. أحدٌ لا يفهم ما سيقوله وكيف سيجيد كعادته التبختر في حقل من الألغام شديد الخطورة هذه المرة. ربّما، ومن منظور منطقي، لا يمكن لمثل هذه الشهادة أن تؤثّر على علاقة المختارة بحارة حريك لسببٍ جوهري مفاده أن حزب الله لا يعترف بالمحكمة ولكلّ ما يمتّ اليها بصلة، ثمّ إن أيّ ردّ فعلٍ غير منتظر سيكون كفيلاً برسم الكثير من علامات الاستفهام عن أسباب مثل هذا الردّ طالما أنه غسل يديه من عدالة لايدسندام منذ أبصرت النور وحتمًا منذ اتهام خمسة ممن تقول المحكمة إنهم على صلة به. 

ضمانة أمنية
لم تكن العلاقة بين جنبلاط وحزب الله في الآونة الأخيرة عادية لا بل أكثر من عادية إذا ما قيست بالهجوم الذي تعرّض له الحزب وما زال بسبب انغماسه في الميدان السوري. ولعلّ بكّ المختارة الخائف على بوابة جبله والمُدرك خير إدراك أن لا حياة سياسيّة في لبنان من دون حزب الله وأن الأخير ضمانة أمنية له ولسواه لا سيّما بعدما بدأ المتشددون يقرعون أبواب المناطق الدرزية من بوابة العرقوب. كلّ تلك الهواجس المشتركة لم تكن كافيةً بالنسبة الى بعض مواكبي شهادة مروان حمادة والتي اعتبروا أنها قد تكون بمثابة رؤوس أقلام تمهيدية لما سيرِد في شهادات جنبلاط.

سلوا عن فيسك...
بسلاسةٍ يتصرّف جميع عارفي الرجل من حلفائه وخصومه إزاء شهادته المُنتظرة. فرجل المفاجآت غير الناضبة لن يقصّر في إعلام متابعيه على تويتر عن موعد توجّهه الى تلك الغرفة الهولندية من دون أن يقول الكثير احترامًا لموجبات العدالة الدولية، ولكن ربما قد يكفي بعض الغائصين في شخصه المُحيِّر أن يعرفوا أنه غائصٌ، بعد لقائه صديقه الأميركي جيفري فيلتمان، في قراءة روبرت فيسك، صديقه البريطاني، ليفهموا بعضًا مما قد تحمله شفتا الرجل الى لاهاي. ففيسك لم يطرح سوى تساؤل بسيط: أليس من المهمّ أن ندرك من هم أعداؤنا الحقيقيون؟ فردّ جنبلاط: "نحن في حاجة في هذا العالم الذي يعجّ باللاعدالة والفظاعات الى أشخاص كروبرت فيسك".

الياس قطار \  البلد