تحول لبنان في الايام القليلة الماضية الى قبلة الديبلوماسية الغربية. فبعد ان غادر الموفد الرئاسي الروسي نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، اطل مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو، وبعده مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني.
طفا على سطح الزيارات كلام كثير عن الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن جيرو كان قد عرّج على الفاتيكان في طريقه الى لبنان، وزار في اواسط الشهر الماضي طهران. ومن المتوقع ان تتواصل زيارات المسؤولين الدوليين الى لبنان، من بينهم عدد من المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمهم رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني.
في الشكل، يشي هذا الحراك الدولي أن لبنان وأزماته «مالئ الدنيا وشاغل الناس». ويمكن الاجتهاد الى حد الامل بحدوث خرق على مستوى انتخابات الرئاسة الاولى المفرغة. لكن مطلعين على أجواء الزيارات ومضامين محادثاتها لا يعلقون آمالاً كبيرة على اجتراح حلول، وإن كان بعضهم يعتبر انها «تفتح كوة صغيرة، على اللبنانيين معرفة توسيعها بما يتيح لهم جعلها باباً لعبور رئيس جمهورية الى قصر بعبدا».
تتقاطع المعلومات لتؤكد أن الزيارات تحمل ثلاث مهمات. الأولى هي أقرب الى جس النبض اللبناني والتدقيق في أجواء التفاؤل والحوار التي يجري تشييعها في الفترة الاخيرة.
والمهمة الثانية التأكيد للبنانيين، خصوصاً من الجانب الفرنسي، أن الاستقرار في بلدهم يحظى برعاية دولية، لكن على اللبنانيين القيام «بشيء ما» للحفاظ على هذا الاستقرار.
والمهمة الثالثة تُختصر بالتشجيع على انتخاب رئيس. فبوغدانوف وجيرو حرصا على التشجيع للاستفادة من المناخ الدولي المساند للبنان للتقارب بين اللبنانيين والاتفاق على رئيس.
يقول أحد المتابعين للزيارات الديبلوماسية مشدداً على وجوب «الانتباه بدقة إلى التعابير المستخدمة. فالتوافق على رئيس لا يعني بالضرورة رئيساً توافقياً. فعلى عكس ما تم تسريبه، لم يحمل أي من الموفدين أسماءً في حقائبهم الديبلوماسية. رموا الكرة في ملعب اللبنانيين بعد أن أكدوا لهم ان توافقهم وحده قادر على إنجاز هذا الاستحقاق». يضيف السياسي المطلع «بديهي أن يعكس كل ضيف وجهة نظر بلاده ورؤيتها للحل في لبنان. لكن التقاطع الأساسي في الموضوع الرئاسي كان عند ضرورة توافق اللبنانيين».
لكن، وبحسب السياسي نفسه، فإن «أهم ما تضمنه كلام الديبلوماسيين لم يكن الحديث في الشأن الرئاسي، وقد كان له حصة بارزة في النقاش. الأهم كان السياق الذي وضعت فيه الانتخابات الرئاسية. فقد حرص الموفدان، كما جهات ووفود سياسية وأمنية سابقة أخرى، على التشديد على ضرورة انتخاب رئيس للتخفيف من الاحتقان الداخلي والأجواء التي تنذر بتصعيد خطير. وقد كان الكلام واضحاً لجهة أن لبنان في سباق بين تثبيت استقراره وتفجرّ الأوضاع الأمنية فيه. فالكثير من المعطيات والمعلومات والتطورات تؤشر الى احتمال اهتزاز الأوضاع الأمنية وتصاعد حدة الصراع في لبنان واتخاذه اشكالاً مختلفة».
يضيف «لا يمكن أن يتصرف لبنان، حكومة ومسؤولين سياسيين، وكأن العالم من حولهم يعيش في سلام واستقرار. فلبنان في قلب الأزمات الإقليمية، وحرص الدول على تجنيبه تداعياتها وانعكاساتها المباشرة عليه لا يكفي. هنالك جهد مطلوب من اللبنانيين. وقد كان الموفدون واضحين في هذا المجال، وأبدوا كل استعداد للمساهمة في تعبيد الطرق. لكن على اللبنانيين اولاً شقها وتلمس مسالكهم عليها».
يشير السياسي المطلع على أجواء الحراك الديبلوماسي الى أن «اللبنانيين يبادرون إلى عرض تفاصيل إشكالاتهم ومشاكلهم الداخلية بأكثر مما يطلب الموفدون الدوليون. فهؤلاء سمعوا عن تعقيدات قانون الانتخابات النيابية، وأُدخلوا في تفاصيل التقسيمات وجوبهوا بتداخلات وتعقيدات قضايا تبدأ من صراعات القوى ولا تنتهي بمسببات الفتنة السنية ـــ الشيعية». ويختم السياسي بالتأكيد أن «على اللبنانيين أن يضعوا اهتمام الدول بهم اليوم في خانة المحاولة الأخيرة قبل أن يُتركوا لمصيرهم. فلا يغيّر الله ما بقوم حتى يغّيروا ما بأنفسهم».