كأنني أقف أمام بستان متعدد المغروسات فيه من كل الثمرات وفيه ما تشتهي الروح , وما لذ وطاب ونفع  بل أمام واحة غزيرة الصور والمعاني مثلّت الجمال بكل ما يعني الجمال . أمام تراث إجتمع بشخص وتميّز بأنه لم يحفظ غير الجميل . السيد هاني فحص (رض) صورة جبل عامل النقي , الذي سلم من كل أنواع الغزوات لهذا الجبل , فحافظ على صفاء العقيدة وسليم الايمان والسريرة والعقل الوقّاد . وذاكرة ملأى حتى بتفاصيل التفاصيل , وأجمل ما فيه هو هذا , عندما يُسرد تفاصيل الطفولة والشباب التي هي مدرسة لمن أراد التعلم , بل حتى للذي لم يرد لأنه كان يباردك بالكلام الجميل المحمّل بفائدة كيفما كان , فصدق عليه وصفٌ كان يُقال للامام علي عليه السلام : أنه كان كأحدنا اذا سكتنا بادرنا واذا تكلمنا استمع الينا ووعظنا . بهذه الاصالة السليمة استطاع السيد هاني فحص (رض) ان يكون نموذجا للاسلام العلوي الاصيل , " نسبة للامام علي " . الذي انحاز للعدل حتى ولو كلفه السير وحيدا ولم يستوحش طريق الحق والعدل مع قلة سالكيه , فوقف بجراة مع قضايا الناس والفقراء والمساكين , وحمل التشيّع وأصالته ودار في البلاد فكان أمينا مخلصا لما حمل تماما كما حمله المخلصون الاوائل . فماذا يريد أحدنا فخرا وعزا اكثر من ان يكون كالامام علي ع تواضعا وعدلا ووقوفا مع الحق والعدل . السيد هاني مرهف الحس أبكته فلسطين فكان مقاوما بامتياز , لم يرهن لم يجنِ من مقاومته الا مزيدا من الاصرار على مواقفه , كذلك حمل همّ البلاد العربية والاسلامية وهمّ شعوبهما . بهذا الصفاء دفعت عيناه على اطفال سوريا والعراق كما على أطفال لبنان وفلسطين . نصح وبلّغ ووعظ , بفصاحة وبلاغة وبيان  جراة وشجاعة مع علم وفقاهة  قلم سيّال حرّ مسؤول  قال لي مرة : ليتني لم أقرأ , فقلت لما ؟ فقال : لان المعرفة الزائدة قلق دائم . وقال ثانية ليتني لم اتزوج , فقلت لما ؟ فقال : لان المراة مسؤولية كمسؤولية الدين . وقال ثالثة : ليتني بقيت فلاحا , قلت لما ؟ فقال : لأن التراب أصدق وأوفى وأخلص وأكرم من الانسان . بهذا الصدق تكلم السيد هاني مع الذات ومع الاخر . فطلبت منه نصيحة وموعظة , فقال : اكتب ما سأقوله لك والتزم به , فأملى وكتبت : إن الاختلاف شرط للتكامل , وان التكامل مآل حضاري وتحيدي للاختلاف حتى لا يعم الخرابُ الدنيا , وقال : ان الاستبداد هو في انتظار اي حراك اسلامي مسيّس للانقضاض عليه واستغلاله , والاستبداد الديني أقسى , واذا كان الاستبداد الديني مسوغا للاستبداد العلماني فان الاستبداد العلماني إيّاه على امتداد العالم , ربما كان أقل فتكا بالدين واهله من استبداد اهل الدين بالدين واهله , وقال : الاستبداد الذي يمتد من تفاصيل الحياة الى المعرفة بالدين والحياة , هو مصادرة واجتثاث للدين وللمعرفة به , ان معرفة الدين لا تتم الا بشرط الحرية ولعل الحرية هي النصاب الاعلى لهذه المعرفة . السيد هاني فحص (رض) :  لأنه استثناء أثار فييّ دهشة الرجل المتعدد الاهتمامات , يترصد التفاصيل ويسكن العناوين , كأنه من جِبلة أخرى ومن طينة خاصة اصطفاه الله بخصائص وميزات قلّ ما توفرت في خاصة أوليائه , هاني فحص انموذج سهل وصعب في آن معا , لذا اضطرب القلم في يدي وانا أحاول ان اشاكله او اماثله او اساجله في لحظة محرجة ومحزنة أطلع منه مملوء السلال واكمل دورة البحث عنه في ما كتب وفي ما قرأ في سيرته ومسيرته التي شغلت حيّزا أكبر من وطن انه امتداد للافغاني الذي هاجر مناضلا في كل الجهات ليملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا ... السيد ياسر ابراهيم