لو أمكن أهالي العسكريين قطعَ طرق العالم بأسره، إنْ كان شرطاً لعودة أبنائهم المخطوفين لدى "النصرة" و"داعش"، لفعلوا كي لا يعيشوا هزيمة رنا الفليطي الآن.

لا وجع كهذا: أنْ يعطيك هاتفك خبراً مفاده أنّ الجندي علي البزال أُعدِم، و"النصرة" تتوعّد، وفق بيان مُرفَقٍ بصورة تُرجِّح الإعدام بالرصاص.

يا لقسوة هذا الخبر. لا شيء يدفع الى عدم تصديقه، لا مأسوية الواقع ولا الجنون الذي يحرِّك "الجبهة". بأي نبرةٍ ستلقّنه الزوجة المفجوعة لطفلتها حين تكبر؟

أهكذا تكون نهاية الأمل؟

ستقول لها: "يا ماما، لقد أعدموا البابا. رموه برصاصٍ ذات ليلةٍ باردة. يا ماما، لا بابا بعد اليوم. أبوكِ سقط على الأرض جثة".

لوهلةٍ، لن تفهم الطفلة هذيان الأم التائهة في نظراتها، الباحثة في الأرجاء عن كذبة.

وقد تبتسم لما يتراءى لها، من فرط البراءة، مسرحية ساخرة. لكنها حين تكبر ستدرك أنّ والدها ذاق الرصاص حتى لفَظَ آخر نَفَس، وأنّ أمها تحمّلت من أجل إرجاء هذه اللحظة، لكنّها حلّت. حلّت بأكثر فجاجةٍ ممكنة. سيكون على الزوجة أن تصدّق بأنّ الزوج لن يعود مطلقاً. الى اللقاء يا حبّ العُمر، الى اللقاء يا ذاكرتي الفرِحة. علي البزال منذ هذه اللحظة جسدٌ بارد بفعل رصاصٍ حار. يا أمّه أرجوكِ التماسك، ويا زوجته أرجوكِ شيئاً من خرافة الصبر. ينضمّ البزال الى أوجاع أخرى، كعلي السيّد الذي حُزَّ رأسه بأسوأ ما تكون الوحشية، ومحمود حمية الذي مزّقه الرصاص. لكِ أيتها الأم أن تصرخي بأنّ قلبكِ الآن احترق. ولكِ أيتها الزوجة أن تُقبّلي أرضاً مشى عليها وأن تشمّي سُترةً لبسها جسده المُرتمي بعد القتل. سوف لن تنفع طرقٌ مقطوعة كي يلين قلب بربري مفترس. لن ينفع صراخٌ وبحُّ حناجر. لن تنفع تلك الصخور الجبّارة التي أتعبتكِ، أيتها الزوجة، لقطع الطريق كي لا يُقطَع رأس زوجكِ. ها إنّ كلّ شيء انتهى. حتى الدمع يكاد لا ينزل على خدودنا اليابسة. يُطالبنا باستراحة. ونحن لا نستجيب. طفحَت المآسي يا رنا. ويا حاجة أم علي. طفحت المآسي يا لبنان الذبح المؤجَّل والرصاص الأشبه بلعبة. ليتكَ يا علي الآن تنام. مرّت أشهرٌ وأنتَ صاحٍ تترقَّب.

 

 

فاطمة عبد الله