غاب سعيد عقل عشية احتفال الأمم المتحدة بـ"اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" في 29 تشرين الثاني وبـ"السنة الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني" في 2014.

في عودته الى التراب الذي أتى منه، عاد يملأ الدنيا ويشغل الناس بما ذره من شعر ونثر – فصحى وعامية – وأقوال ومواقف. في واحدة من الذرى: فلسطين والفلسطينيون.

في غير أوانه الآن إجراء محاكمة لمواقف سعيد عقل من الفلسطينيين في لبنان.

بل من المعيب أكثر أن تتألف هذه "المحكمة" من "قضاة" يفتقرون الى الصفة، وخصوصاً لأن بعضهم نظّر كثيراً وطويلاً في النضال لـ"تصفية" القوى "الانعزالية". هذا غشاء رقيق لنوع من التطهير.

أُغرِق اللبنانيون في أيامهم السود في مستنقعات كثيرة لا ينجو منها كثيرون ممن يناطحون سمعة شاعر عظيم مثل سعيد عقل. تقتضي الجرأة أيضاً عدم الاجتزاء، فبعض الجنوبيين نثروا الأرز على القوات الإسرائيلية الغازية قبل أن يتضافروا لطردها.

وقف الشاعر محمود درويش في نهايــــــة التسعينات من القــرن الماضي ليعتــذر عما اقترفتـــه الثــــورة الفلسطينية – وملحقاتها "الوطنية" اللبنانية - في بيروت وفي لبنان. لم يقل شأن المتنبي بمدحه أو هجائه أبا المسك كافور الإخشيدي.

هذا كان سلطاناً غازياً. الفلسطينيون أنفسهم يحفظون لسعيد عقل أنه ترك لفلسطين أيقونة ساحرة، هي الأبقى، اعترافاً منه بالظلم التاريخي الذي سببته اسرائيل ومستوطنوها، وخصوصاً في مدينة السلام: القدس. كانت أبيــات سعيد عقـــل تتردد في احتفال الأمم المتحدة باليـوم الدولي والسنــــة الدوليـــة للتضامن مع الشعـب الفـلـسطـــينـي.

ترافـق كـلامــــــه عـن القــدس مـــع مــوقـف شجـــاع اتخذته ريما خلـف إذ اعتــــذرت من الفلسطينيين. يكتسب هذا الموقف أهمية استثنائية ليس فقط لأنه صدر عن واحدة من أكثر الشخصيات تألقاً وإلهاماً على المستويين العربي والعالمي، بل أيضاً لأنه أتى ممن تمثله وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة الأمينة التنفيذية للجنة الإقتصادية والإجتماعية للأمم المتحدة لغرب آسيا "أسكوا".

هذا اعتراف آخر من المجتمع الدولي بالجريمة الكبرى التي ارتكبت – ولا تزال ترتكب – في حق الشعب الفلسطيني منذ 66 عاماً.

لا ينتقص هذا الموقف من السلطة الأخلاقية للأمين العام بان كي – مون نفسه لو أنه اتخذ خطوة جريئة كهذه اقراراً منه بتقصير المجتمع الدولي في تطبيق قراراته، ولا سيما منها المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية.    

  

علي بردى