أن يخسر لبنان والعرب شخصية استثنائية كسعيد عقل أمر طبيعي ولا ترمش لهذه الخسارة  عين مواطن أو مسؤول لأن آخر اهتمام المواطنين وزعمائهم هو بالعقل والعقلاء . طبعاً لا ندعو الى لبس السواد في غياب أصحاب القلوب البيضاء واقامة العزاء في دور العبادة بالقدر الذي نتحسس فيه أهمية ما خسرناه في ثقافتنا العربية من مبدعين أسهموا في تطوير العقل العربي وترشيده بطريقة ثورية لا تقل أهمية عن مشروعات الثورة العربية داخل بُنى السلطة .

في ورشنا الاصلاحية والتحررية تيارات عديدة أسهمت في تحولاتنا السلطوية وكتبنا أسماء شهدائها على حيطان القلوب والشوارع والمؤسسات العامة والخاصة وحفرنا صور زعمائها على صخورنا وأورثناهم دولة كاملة بخيراتها لهم ولعائلاتهم وخزّنا في ذاكرتنا تجاربهم الحلوة على عدميتها ومرها على توفرها الدائم ولم ننسى أحداً ممن مرّ على جُثثنا من أهل الشعارات الثورية والسلطوية من الماركسية الى القومية  الى الاسلاميين بيساريهم وبيمينهم ولم نختزل أحداً من روزنامة حركات التحرر الوطني .

قديماً اهتمت السلطة في لبنان برواد الثقافة العربية من جيل الأدباء اللبنانيين القدامى  بطريقة ما وانتهى دور السلطة  في هذا المجال مع سيطرة نخب سلطوية جديدة لا تعير الثقافة أيّ اهتمام بل بالعكس اعتبرت الثقافة احد العناصر المخربة للسيطرة السياسية على العقل اللبناني لأنه ينبه اللبنانيين ويرفع من شأن الوعي في اختياراتهم للأحزاب وللمؤسسات السياسية لذلك تراجع لبنان تحديداً في مشروعه الثقافي وفي مساهماته العربية وبات على درجة كبيرة من الاخفاق في دوره الطليعي مقارنة مع ماضيه الثري .

تعالوا لنتصور اليوم أو لنفرض وفرض المحال ليس بمحال لو أن أحداً ممن له شأن بسيط في زاروب طائفي ولا تتوفر في جعبته أيّ مساهمة نافعة سوى أنه منتمي أو منتسب لحزب في زاروب مات أو قتل ميتة طبيعية أو في حادث مجهول أو معلوم فما كان آثر الموت على لبنان واللبنانيين ؟ والتجربة هنا غنية ولا تحتاج الى اجابة على سؤال يحمل في كيسه ألف جواب .

وهناك من يعتبر أن موت سعيد عقل ليس بالخسارة اللبنانية لأنه مجرد شاعر والشعراء كثيرون كالحلقين وهؤلاء ليسوا من البسطاء والدراويش بل من أهل الزعامة والرياسة والقداسة ممن يفتقرون للأهلية العلمية لكن شاءت الحروب أن يكونوا أرباباً مع الله .

الى هؤلاء نقول بأن سعيد عقل شخصية استثنائية لا تتكرر وان تكررت تتكرر كل مائة سنة في حين أن الشهادات الأخرى من أهل السلطة فهي متوفرة وباستمرار وهناك من ينتظر رحيل قائد أو زعيم طائفي أو حزبي ليجلس محله ولكن من يستطيع أن يجلس على كرسي سعيد عقل ؟

كل الطبقة السياسية القديمة في لبنان ماتت وحلت محلها طبقة أخرى ولم يشعر اللبنانيّون بأن هناك فراغ أو هوة بين الطبقتين في حين أن المبدعين في لبنان لم يحل محلهم أحد لذا بقوا علامات مضيئة في سماء الثقافة العربية .

طبعاً لست بوارد المُفاضلة أو المقارنة والمقاربة بين هويتين مختلفتين بالقدر الذي أحاول فيه الاضاءة على عتمة الجهل التي تلفنا وتحاصر اتجاهاتنا وتعمي أبصارنا أمام خسارات أسهمت في تميّز لبنان عن غيره من الدول العربية وكيفيّة تعاطينا المبتذل مع من فقدنا أمس من الشحرورة صباح الى العبقري سعيد عقل في حين أننا نبالغ كثيراً في التعبير فرحاً أو حزناً مع أشخاص آخرين من أهل السياسة لا من أهل الفكر .

سعيد عقل أحد جذور الأرز في لبنان ورائد متقدّم من روّاد الثقافة العربية انه سيبويه العرب وشخصية مهمّة في المعجم اللغوي ونادرة  جداً في الشعر العربي .