بثياب الفلاح وكوفيته الحمراء، غادر الستيني محمد عباس بلدته حام في بعلبك، موّدعاً أرضه ليحضر صباح اليوم مع أهالي المخطوفين العسكريين في تحركهم في وسط بيروت. انه والد المخطوف لدى "جبهة النصرة" وابن قوى الأمن الداخلي أحمد عباس.  

لا يُحرم الناس من ابتسامة الشيخ رغم الحسرة التي تحرق قلبه على "ضناه" أحمد. التعب يلفّ وجهه وكبر السن واضح على ملامح وجهه التي تآكلتها التجاعيد وسمرة مزارع أمضى حياته برفقة الأرض والتراب، انتهى فيه المطاف أن يتنقل في الشوارع من أجل عودة ابنه.

 

  أخبار ذات صلة القوى الأمنية تتجاوز كلّ شيء باستعمالها القوة ضد الصحافيين وسيارة الدفاع... يقف كالجبل، لا يهتز، إنه جبروت الأرض في قدميه. وسيكرس كل ما لديه من أجل أحمد ويقول لـ"النهار" بلهجة بعلبكية أصيلة: "مستعد موت كرمال ابني أغلى ما عندي... وما بهمني شي".

لا يزال هذا الحاج يضبط أعصابه ويسير خلف آراء باقي أهالي العسكريين، لكنه غير راضٍ عن "تقصير" الحكومة وتصرفاتها حيال الأهالي في بيروت، حيث تم

استخدام خراطيم المياه لردعهم عن قطع الطرق، يسأل: "شو كل مين عمل عصابة...عمل دولة لحاله؟".

في داخله نار تشتعل، تبحث عن تصعيد في مسلسل موجع، لم تنته حلقاته بعد، فهو يرفض قطع الطرق ومع "احتلال السرايا الحكومية أو سجن رومية"، وفي رأيه إن "الحكومة يجب أن تحقق مطالب النصرة رغماً عنها...لماذا يماطلون؟

هل يتاجرون بنا؟".

"أنا فلاح" يقولها رافعاً رأسه، و"عمري 67 سنة". يلتفت يميناً ويساراً، يرى أن عناصر قوى الأمن الداخلي يحاصرونه.

يصمت، ينفث سيجارته وعيناه ثاقبتان نحو هؤلاء... "انهم ابناؤنا، وهم مؤتمرون لا ذنب لهم".

صورة أحمد لا تفارقه، يضعها في جيب سترته الخضراء "لتبقى قريبة من القلب".

يرفض وصف نفسه بأنه وسيلة لألاعيب "النصرة" بل "اننا وسيلة لنذكر الحكومة بأبنائنا "إلهم 4 اشهر في الجرود... ابني يرتدي السترة نفسها منذ 4 أشهر، من يتحمل ذلك؟". ا

حمد موجود لدى "النصرة" وما يعرفه عنه هذا الاب الحائر أن "ابني بلا أكل وبلا شرب وينام في العراء وسط البرد والثلج". ث

لاثة أطفال ينتظرون بطلهم أحمد في بعلبك الصامدة، يعتني بهم والده الذي يقول غير آبه بشيء: "لا تدفعوني الى تصرفات أخرى... لم يبق من السرية شيء ونريد أولادنا".

لا يريد أبو أحمد أن يربط ما جرى من مقايضة بين "حزب الله" و"الجيش الحر" بملف ابنه، ويقول: "لا شأن لي بالحزب ولو خطف ابني من أرضي لكنت أعدته بنفسي". احذروا صبر هذا الحاج... النار داخله تشتعل ولا بد لصبره أن ينفذ وغضب كوفية الفلاح لا يمكن ردعه.  

 

  بقلم: محمد نمر