عقد البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، مؤتمرا صحافيا في ختام الزيارة الراعوية التي قام بها الى استراليا، شاكراً لله على تحقيق هذه الزيارة ونجاحها من كل جوانبها، وعلى ثمارها الوفيرة.

وقال :"يطيب لنا الإعراب عن شكرنا وتقديرنا ومحبتنا لأستراليا، الدولة الديموقراطية المنظمة والمميزة بتعدديتها الثقافية، الدولة المضيفة التي فتحت أمام جالياتنا أبواب القلوب والمؤسسات وكنوز الأرض. فحقق اللبنانيون، وأبناء دول الشرق الأوسط وسواهم، ذواتهم وأبدعوا في كل المجالات، وأسهموا باعتزاز في نمو استراليا وازدهارها وترقيها على كل صعيد. اننا نفاخر بما بلغت إليه جاليتنا من مراكز رفيعة في كل المجالات، فكسبوا تقدير المسؤولين المدنيين والسياسيين والكنسيين وثقتهم. وكم أعجبنا باحترام الدولة من قبل المسؤولين السياسيين والشعب، والولاء الكامل لها، وتقديس مصلحة البلاد العليا بكيانها، شعبا وأرضا ومؤسسات، والتفاني في سبيل خدمتها وتأمين الخير العام الكامل لشعبها. وكم لفتت نظرنا الممارسة الديموقراطية المثالية في مجلس النواب والشيوخ حيث تجلس الموالاة والمعارضة وجها لوجه بحضور دائم وملزم من أجل مناقشة وتقرير ما يخدم مصلحة البلاد العليا بشعبها وأرضها ومؤسساتها؛ إذ لا يحق لأي فريق أن يفرض ما لا يتلاءم مع مصلحة البلاد، أو يتفرد به، ويسوق البلاد وفق أهوائه ومصالحه ونفوذه. وأعجبنا كيف أن لكل وزير أصيل "وزير ظل" من الفريق المعارض يطالبه ويسائله في كل ما يتعلق بشؤون وزارته، بغية تنفيذ الأفضل والأنسب لخير الدولة والشعب. هذا هو سر نجاح اوستراليا واجتذاب الشعوب إليها.

وأضاف :"لقد أعربنا للمسؤولين في اوستراليا عن شكرنا على وقوف الدولة إلى جانب القضايا الإنسانية في بلدان الشرق الأوسط، وعلى مساعدتها للنازحين من سوريا والعراق، وعلى انخراطها في مجموعة دول التحالف لمواجهة التنظيمات الإرهابية والأصولية. وأعربوا لنا عن إهتمامهم بالقضية اللبنانية وبمساعدة قدرات الجيش اللبناني لحماية أمن لبنان وتعزيز قدراته الدفاعية.

وتابع :"أمام هذا الإعجاب، كان في الوقت عينه يعتصر قلبنا ألم وغصة، ونحن نستعرض واقع لبنان المؤلم والمتراجع بشكل مخيف سياسيا وديموقراطيا وإقتصاديا وإجتماعيا وأمنيا. وما كنا نجد أي مبرر لهذا الواقع المذري والمؤلم سوى عجز المسؤولين السياسيين في مجلس النواب والحكومات المتعاقبة، وافتقارهم إلى الولاء للبنان، والتنكر لواجب خدمة الخير العام، والتسابق إلى المصالح والمغانم الشخصية والفئوية والمذهبية. وما نخشاه في الأكثر هو لا سمح الله، التورط في شؤون منافية لمصلحة لبنان ومنذرة بتغيير معالمه.

وقال :"لقد آلمنا بالأكثر تمكن النواب اللبنانيين من إحكام الفراغ في سدة الرئاسة الأولى على مدى ثمانية أشهر من اذار الماضي، حتى الوصول إلى حافة الفراغ في المجلس النيابي، فأسرعوا كالتلاميذ الشاطرين بعدد فاق كل توقع، إلى حماية مقاعدهم النيابية، فمددوا بأنفسهم مدة ولايتهم بإجماع الحاضرين والغائبين، مخالفين ارادة الشعب والدستور مرة ثانية من أجل حماية مصالحهم، مثلما خالفوه، وما زالوا، من أجل التفريط بمصلحة الدولة العليا من خلال بتر رأسها والقضاء على الميثاق الوطني الذي يوجب أن يتمثل المسيحيون في رئاسة الدولة، مثلما يتمثل المسلمون الشيعة في رئاسة مجلس النواب، والمسلمون السنة في رئاسة الحكومة. فحرموا المسيحيين من تمثيلهم، وتفرد الشركاء المسلمون برئاسة المؤسستين الأخريين. أهذا هو المدخل إلى تغييرات أخرى لاحقة، على مستوى الكيان اللبناني، من خلال نقض متلاحق للدستور والميثاق الوطني والصيغة اللبنانية؟ أهكذا تستعد الكتل السياسية والنواب للاحتفال بالمئوية الأولى بإعلان لبنان الكبير والمستقل بعد ست سنوات،؟ فإذا كان من بين النواب من لا يرضى عن هذا المسار بحكم صوت الضمير الوطني، فليظهر ذلك بالإستقالة من هذا المجلس الذي ستدينه محكمة التاريخ والضمير. وقد بدأت.

واردف :"أما نحن ككنيسة، وكأساقفة رعاة معنيين بحكم اسمنا ودعوتنا "بالسهر على شعب المدينة" كما تعني لفظة أسقف اليونانية، فلن تغمض لنا عين عن كل هذه التجاوزات والمخالفات وعمليات الهدم المبرمج للكيان اللبناني، ولن يصمت لنا لسان، ولن يخبت صوت. بل نبقى أمام شعبنا ووسطه ووراءه لحمايته من الذئاب الخاطفة.

وختم الراعي :"ندعو المجتمع المدني وذوي الإرادات الحسنة في لبنان وعالم الانتشار، لمساعدتنا على حماية لبنان الوطن المفدى؛ وعلى حفظ كرامته وكرامة الشعب اللبناني، أينما وجد، وعلى تقدمه ونموه وإزدهاره لكي يستمر في هذا الشرق نموذجا للديموقراطية والتعددية الثقافية والدينية، وواحة للحوار واللقاء وحرية التعبير.