تشهد السلسلة الشرقية المقابلة لخطّ البلدات الممتدة من كفرزبد وصولاً الى رعيت، شرق زحلة، حركة عسكرية غير عادية، خصوصاً بعدما استولى «حزب الله» على مراكز متقدّمة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وردّها الى الخطوط الخلفية، متقدّماً في المواجهة مع الفصائل المنتشرة في منطقة الزبداني السوريّة.   على وقع صَوت الرّصاص والقذائف، تُعبّر قرى شرق زحلة المسيحية، الملاصقة للسلسلة الشرقية والتي تبعد عن الزبداني نحو 15 كيلومتراً، عن مخاوفها من تسلّل «النصرة» و«داعش» وتنفيذهما أيّ خرق على غرار الخرق في بريتال. هذه القرى البعيدة عن جنّة العاصمة، والقريبة من مدينة زحلة، لا ترى سوى الدولة حامياً وحيداً لها.   قليل من اللبنانيين يعرفون أنّ قوسايا بلدة يقطنها سكان لبنانيون مسيحيون، حيث تعدّ نحو 1300 ناخب على لوائح الشطب وقد ارتبط إسمها بأنفاق الجبهة الشعبية التابعة للنظام السوري، فأصبحت مرادفة لمواقع الناعمة، ويتداول إسمها السياسيون والمواطنون عند أيّ تحرّك للجبهة، وكأنها جزءٌ من مشكلات البلد التي لا تنتهي.   تشتمل قرى شرق زحلة 5 بلدات ذات غالبية مسيحيّة أرثوذكسية، هي: كفرزبد، عين زبد، قوسايا، دير الغزال ورعيت. قد تكون الرحلة إليها في فصل الربيع أو الصيف أمتع، لكنّ السهل الموجود على جانبَي الطريق أبى إلّا أن يكون أخضر، حيث البطاطا مزروعة بكثافة. وكلما اقتربت من المنطقة الجرديّة المزروعة بشجر الكرز الذي بدأ ورقه بالإصفرار والتساقط، ترى السكان منهمكين بجمع الحطب تحسّباً للشتاء القارس.   يجتمع المسجد والكنيسة في كفرزبد، والأهالي يصرّون على العيش الواحد على رغم بعض الزكزكات والحساسيات التي تحاول الفاعليات تطويقها، بعدما بدأت زحلة «عاصمة الكثلكة» تفقد لقبها، وسط تراجع مخيف في سكانها المسيحيين، والهجرة المترافقة مع تجنيس البدو وعمليات بيع واسعة للأراضي لمتمولين شيعة.   من الناحية العسكرية، ينتشر الجيش بكثافة في هذه المنطقة، إذ لا تبعد الحواجز عن بعضها البعض مسافة كبيرة، فيما يطوّق مراكز الجبهة الشعبية ويحاصر مقاتليها في خنادقهم، تاركاً لهم طريقاً واحدة في اتجاه الجرود السورية. وككلّ منطقة حدودية، كانت هذه المنطقة تشهد عمليات تهريب ناشطة بين البلدين لكنها توقفت بعد إندلاع الحرب السورية.   وقد قرّر «حزب الله» السيطرة على الشريط الحدودي للسلسلة الشرقية من كفرزبد الى رعيت لأسباب إستراتيجية عدّة، أبرزها، منع إتصال المناطق المنتفضة في سوريا خصوصاً الزبداني بالمناطق السنّية في زحلة، أيْ مجدل عنجر وقبّ الياس وبرّ الياس، لمنع تأمين خطّ إمداد لتلك المناطق وتكرار تجربة عرسال، فسارع الحزب الى قطع التواصل.   لكنّ بعض المطلعين يشيرون الى أنّ «مقاتلي الجبهة الشعبية الذين يتمركزون في السلسلة الشرقية خارج بلدة قوسايا تراجعوا الى الخطوط الخلفية، وقد أخذ «حزب الله» منذ نحو اسبوع مواقعهم في رأس المعيصرة بعد إفتعالهم مشكلات، لينفرد على الجبهة».   من النادر أن تصادف سيارة في شوارع قوسايا على رغم أنّه يقطنها نصف أهلها، لكن مع اقتراب الشتاء وخلال منتصف الأسبوع ترى البلدة شبه فارغة. يحاول الأهالي التأقلم مع الواقع المفروض عليهم منذ الحرب الاهلية، ويعرفون أنّ حلّ مسألة الأنفاق يحتاج الى قرار أكبر من الدولة اللبنانية، خصوصاً بعد إلإتفاق على حسم هذا الأمر في جلسات الحوار.   المزارعون من جهتهم، يُحرمون من إستغلال الأراضي على سفوح السلسلة الشرقية بسبب مراكز الجبهة حيث يمنعهم حاجز الجيش اللبناني من العبور لأنها منطقة عسكرية، وهم لا يعرفون ماذا يدور في السلسلة من معارك، فيما يطمئنهم الجيش إلى الوضع.   وعلى رغم المخاوف، يؤكد مختار البلدة مطانيوس عبدو لـ«الجمهورية»، أنّ «مخاوفنا هي نفسها الموجودة في البلدات الحدودية، لكنّ هذا الامر لا يدفعنا الى التسلّح لأنّ الجيش وحده يحمينا، فكيف تتسلّح بلدة وتطبق منطق الأمن الذاتي، وفيها أكثر من 12 ضابطاً و100 عنصر في الجيش؟». ويشكو المختار من عدم قدرة الأهالي على إستغلال أراضيهم في السلسلة الشرقية، لافتاً الى أنّ «النائب نقولا فتوش إشترى قطعة أرض كبيرة من أهالي البلدة لإستغلالها في المقالع والكسارات».   الحركة لا تختلف بين قوسايا ودير الغزال، سوى في تشديد الجيش اللبناني إجراءاته حول موقع «حشمش» الفلسطيني، التابع للجبهة الشعبية، حيث يقف شبان فلسطينيون يحرسون مداخله، يرخون ذقونهم، ثيابهم ملوّثة، ويمشون بـ«الشحاطات»، وهم الذين يعيشون تحت الارض وفي الأنفاق، وكأنّ تحرير القدس سيكون من قوسايا.   هؤلاء ضبطهم الجيش ولا يدخلون البلدات المجاورة إلّا لشراء الحاجات، وعلى حدّ وصف رئيس بلدية دير الغزال رفيق دبس، فإنهم «مجموعة يستطيع الجيش القضاء عليها بخمس دقائق عندما يتخذ القرار السياسي».   المبنى البلدي في الدير حديث، والمفارقة أنّ رئيس بلديتها موجود في البلدة وليس من سكان بيروت، كما جميع رؤساء بلديات القرى، وهو يشرف شخصياً على الإهتمام بالزهور امام البلدية موفّراً أجرة عامل. تدخل الى مكتبه، فيبادر إلى تشغيل المدفأة، ليبدأ بالسرد التاريخي لواقع البلدة وأصل العائلات التي أتت اليها إبان الحرب العالمية الاولى خصوصاً العائلات المارونية التي هربت من جرود البترون والشوف.   يحرص دبس على حسن العلاقة مع الجوار خصوصاً الطائفة الشيعية، وهو لا ينسى وقفة أهالي بلدة علي النهري معهم في إحدى المراحل عندما وقع إشكال مع بلدة النبي شيت. ولا ينكر أيضاً فضل شباب «حزب الله» الذين يسهرون في الجبال لردّ خطر التكفيريين، لكنه في المقابل، يؤكد لـ»الجمهورية أنّ «الرهان الأول والأخير هو على الجيش اللبناني النشيط جداً في البلدة، وهو من أشرف جيوش العالم، ومغاير تماماً للجيش السوري الذي يشترى ويباع، وإلّا لماذا كلّ هذه الإنشقاقات فيه؟».   إتخذت بلدة دير الغزال تدابير إحترازية، وقد وضعت كاميرات مراقبة بالتنسيق مع الجيش، فيما يُسيّر الحزب دوريات على أطراف البلدة لجهة الجبال.   ومنذ نحو 20 يوماً عقد إجتماع مع الوزير حسين الحاج حسن، حيث طلب الشباب سلاحاً من الحزب، لكن الوزير رفض، مشيراً الى أنّ «الحزب يحميهم وكذلك الجيش، ونصحهم بالتنسيق مع الجيش، وقد سارع رئيس البلدية الى منع كلّ مظاهر الأمن الذاتي، رافضاً إقحام المسيحيين فيها، خصوصاً أنّ الجيش أبلغ إليه أنهم ينصبون مدفعيات وقادرون على ردّ أيّ هجوم مسلّح لأنّ كل الإحتياطات مأخوذة، وكذلك فإنّ الأهالي، من سكان بيروت، أكدوا أنهم سيقاتلون الى جانب الجيش في حال هُدِدت بلدتهم».   إذا كانت «داعش» تهدّد أهالي البلدات المسيحيين باقتلاعهم من ارضهم، إلاّ أنّ بعض اهالي رعيت سبقوها، وإقتلعوا نفسهم من ارضهم. فرعيت تواجه خطراً أكبر بكثير من «داعش»، ولا تكفي بناء كنيسة كبيرة وسط البلدة يرفرف بجانبها العلم اللبناني للبقاء في الأرض، بحيث سجّل عدد كبير من عمليات البيع إلى متموّلين شيعة، إذ إنّ الخرق ليس بقليل، وسط انتقاد أبناء البلدات المجاورة للبيع. تأوي رعيت نحو 2000 نازح سوري، يشكلون عامل تفجير إضافي.   ويؤكّد رئيس بلديتها جوزف فريجه لـ»الجمهورية» أنّ «عملية بيع الاراضي قديمة وتحصل منذ مدة، وكلها عمليات بيع قانونية ولا نستطيع منع مواطن من البيع إذا كان يحتاج الى نقود».   ويجزم أنّ «احداً من المسيحيين لا يتسلّح، لأنّ الجيش أعطى الضمانات الكافية ودعانا الى عدم الخوف، وكلّ ما يُقال عن أنّ الجبهة الشعبية تحمينا هو مناقض للحقيقة»، مشدّداً على أنّ «البلدية تسيّر دوريات للتنسيق مع الجيش وذلك لمراقبة النازحين، ولا وجود لسرايا مقاومة، كذلك فإنّ «حزب الله» لا يُسيّر دوريات في البلدة، بل إنّه يقاتل على السلسلة الشرقية»، مؤكّداً عدم الخوف، «فالزبداني كانت بالقرب منا وليست المرة الأولى التي نشهد فيها مشكلات».   وصل المسيحيون الى اقتناع بأنّ الدولة وحدها تحميهم، وبلدات شرق زحلة هي في عهدة الجيش كما كلّ لبنان، ويبقى إنهاء وجود الجبهة الشعبية التي تمثّل «إحتلالاً فلسطينياً - سورياً» في الأراضي اللبنانية، لا يختلف عن الإحتلالات وغزوات الدول.