التمديد حصل، والنواب الحاليون سيكونون اعتباراً من 20 تشرين الثاني الحالي نواباً ممدداً لهم للمرة الثانية على التوالي. غالبيّة القوى السياسيّة سعت إلى التمديد أو غضّت الطرف عنه، بعدما ضمنت أنها ستحتفظ بـ«كنز» اللوحة الزقاء لسنتين و7 أشهر إضافيّة، من دون عناء المشاريع والتحالفات والإعلانات الدعائية.
«المستقبل» و«حزب الله» هما الأكثر حماسةً، وتسلّما الدفة لإقناع الجميع بأن التمديد هو «أبغض الحلال». الطرفان يخشيان من أن يطيّر «استحقاق الـ2014»، لو حصل، «الستاتيكو» المطلوب في هذه الحالة.
فعلياً، «حزب الله» منشغل بـ«الحديقة السورية الخلفيّة»، و«المستقبليون» يحاولون أن يخبئوا «القرش الأبيض» للعام 2017.. نواب «المستقبل» قد يكونون الأسرع في التوجّه من مجلس النواب إلى وزارة الداخلية لاسترداد رسم الترشيح والتأمين الانتخابي، بعد أن يصبح قانون التمديد نافذاً.
بعض المراقبين يدلّلون بالإصبع على معارك في بعض الدوائر كان يمكن أن تخفض عدد «الزرق» داخل ساحة النجمة إلى ما دون الـ32، حتى مع اعتماد «قانون الستين»، أو على الأقلّ أن «حرب الأرقام» ستكون مؤلمة في «بيت الوسط».
خصوم المستقبل يمنّون النفس بـ«حلم الخرق» لولا التمديد، مستخدمين «سيف الخدمات». هؤلاء ينظرون إلى «الأرض الانتخابيّة» بأنها ممتلئة بالزهر قبل الاستحقاق، ولكنهم يعلمون أنه «عندما يجدّ الجدّ» سيكون «الجنرال الأخضر» والخطاب المذهبي والأزمة السوريّة بانتظارهم داخل صناديق الاقتراع.
ولأن سعد الحريري يرى أن خصمه الأوّل على كل الأراضي اللبنانية هو نجيب ميقاتي، الذي «انشقّ» باكراً من «التضامن الوطني»، فإن «أم المعارك» ستكون حتماً في طرابلس.
في عاصمة الشمال، قدّم 17 شخصاً ترشيحهم لملء المقاعد السنية الخمسة، أبرزهم ميقاتي، محمّد الصفدي، فيصل كرامي، وأحمد كرامي، و5 محسوبين على «المستقبل»: أشرف ريفي، محمّد كبارة، سمير الجسر، ريا حفار حسن، ومصطفى علوش.
السيناريو الأكثر واقعيّة هو أن يتحالف ميقاتي مع الصفدي وفيصل وأحمد كرامي، وتشكيل لائحة شبه كاملة لمواجهة لائحة «الحريريين» المكتملة. البعض يجزم، استناداً إلى إحصاءات قامت بها عدّة شركات خاصّة، أن رئيس «العزم والسعادة» سيثبت للحريري أنّه خصمه الفعلي الذي سيستطيع هزم لائحته برصيد عالٍ.
ووفق هذه الإحصاءات، يعتقد هؤلاء أن ميقاتي والصفدي سيواجهان «اللائحة الزرقاء» بـ«معركة كسر عظم». ستكون العين مفتوحة على فيصل وأحمد كرامي. ويشيرون إلى أنّ فيصل كرامي ينطلق من قاعدة والده الذي وصل إلى أكثر من 30 ألف صوت منفرداً في انتخابات العام 2009.
إذاً، معركة طرابلس لن تنحصر بالخرق، بل ستتعداها لتكون «معركة أرقام» تترجم على الورقة والقلم ما إذا كانت «الثنائية السنيّة» قابلة للحياة للتمدّد من عاصمة الشمال إلى عاصمة لبنان.
المعركة الثانية ستكون حكماً في البقاع الغربي، حيث يحاول الوزير السابق عبد الرحيم مراد أن يقلّص الفارق مع «المستقبليين» (الفارق حوالي 4000 صوت في انتخابات العام 2009)، بالكثير من الخدمات التي يقدّمها في مؤسساته.
صحيح أن «أبا حسين» قدّم ترشيحه مع نجله حسن مراد، إلا أن البعض يؤكّد أن حسن لم يكن جدياً في تقاسم مقعدي البقاع الغربي وراشيا مع والده، والتحالفات كانت ستكون بين لائحتين، الأولى لـ«المستقبل» و«الاشتراكي» والمستقلين: زياد القادري، جمال جراح، أمين وهبي، روبير غانم، أنطوان سعد، وائل أبو فاعور. والثانية لـ«8 آذار» والمستقلين: عبد الرحيم مراد، إيلي الفرزلي، محمد القرعاوي، فيصل الداود، نبيه غانم.
فيما يرى البعض أنّ المقعد الشيعي والدعم الاشتراكي سيكون عليهما الرهان لحصول خرق في لائحة «المستقبل»، إلى جانب غياب «الزرق» عن البقاع. ويشدّد متابعون في البقاع على أنّ رئيس «مجلس الجنوب» قبلان قبلان سيكون مرشّح «8 آذار»، وبالإضافة إلى قرب الأخير من البلديات في المنطقة وبعض مؤيدي «المستقبل»، سيأخذ الرئيس نبيه بري - و«حزب الله» ضمناً - وعداً من رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط بأن يصبّ بعض «الاشتراكيين» أصواتهم داخل «اللائحة الثانية». وبذلك، كان يبدو أن مراد قد ينزل إلى ساحة النجمة بدلاً من الجرّاح أو القادري، وقبلان بدلاً من وهبي.
المتأملون كثيراً بوصول «أبي حسين» ورئيس «مجلس الجنوب» يستندون إلى إحصاءات غير رسميّة أجريت خلال الأشهر الأخيرة وتشير إلى أن سنّة «8 آذار» في البقاع الذين يصوّتون لمراد يتراوحون بين 37 إلى 40% مقابل 50% لـ«المستقبل» ليتبقّى 10% هم من الإسلاميين و«الجماعة الإسلاميّة». في حين أنّ هناك 55% من المسيحيين يؤيدون اللائحة الثانية التي يرأسها الفرزلي، مقابل 45% لـ«14 آذار» وفعاليات مؤيدة لها. أما الشيعة في المنطقة فقد يصّوتون بنسبة 98% لمصلحة لائحة مراد الفرزلي و2% لمصلحة «14 آذار». والدروز يتقاسمهم «الاشتراكيون» من جهة والنائب السابق فيصل الداوود والقوى القومية في المقابل بنسبة 80% للفريق الأوّل و20% للثاني.
كان من المفترض أن «المعركتين الشرستين» في طرابلس والبقاع الغربي، إلا أن البعض توقّع أن تكون هناك «معركة باردة» في دائرة بيروت الثانية. ويقول هؤلاء إنّه إذا التزمت قوى «8 آذار» جدياً بدعم المرشّح فؤاد مخزومي، و«سايرتها» جمعيّة «المشاريع الخيريّة» بانسحاب مرشّحها عدنان طرابلسي و«تجيير» أصواتها، التي تقدّر بـ1500 صوت لمخزومي، يضاف إليهم حوالي الـ1000 صوت للأحزاب والقوى الوطنية، فإن المرشّح بشير عيتاني قد يكون «ضحيّة مخزومي».
غير أن السواد الأعظم من هؤلاء يشدّدون على صعوبة أن يسجّل مخزومي خرقاً حقيقياً داخل «اللائحة الزرقاء»، وإن كان لديهم أمل.
هذا الأمل لا يملكه الأمين العام لـ«التنظيم الشعبي الناصري»، الذي يرى أن الجوّ المذهبي في صيدا «يحرق أنفاس» القوى الوطنيّة في المدينة. أسامة سعد أصلاً لم يجهد نفسه في التوجّه إلى «الصنائع» لتقديم أوراق ترشيحه ويقارع بها فؤاد السنيورة وبهيّة الحريري، لاقتناعه بأن القانون الانتخابي الحالي لا يستولد وجوهاً جديدة، وحدهما عبد الرحمن البزري ومحمّد القواس أقنعا نفسيهما بضرورة تسجيل الموقف.
الأرقام في صيدا غير مشجّعة أصلاً، إذ تدلّ الإحصاءات على أنّ سعد، الذي نال في انتخابات العام 2009 حوالي 13000 صوت، لن يحصد على الأغلب إلا 1000 صوت إضافي بعد احتساب الحزبيين الذين بلغوا سنّ الاقتراع. كان سعد ومعه القوى الوطنيّة يمنوّن النفس بزيادة رصيدهم الانتخابي من أصوات المستقلين الذين يتراوحون بين 3000 إلى 5000 ناخب. ولكنّ حسابات الحقل لم تطابق حساب البيدر، بعدما تبيّن أنّ غالبيّة هؤلاء سيصبّون في «مجدليون».
وما يجري في صيدا ينطبق أيضاً على المنية ـ الضنيّة. أبناء المنطقة يرون بالعين المجرّدة أن منازل النواب الحاليين بالكاد تستقبل المراجعين وطالبي الخدمات، فيما يلحظون أن أبواب المرشّح منزل المرشّح جهاد الصّمد مشرعة على مصراعيها خدماتياً. الصّمد لم يكن، على الأرجح، ليعيد تجربة الـ2009 حين ترشّح منفرداً وحصد 16000 صوت وحيداً في مواجهة أحمد فتفت، ولكنّه يخشى في المقابل أن يحسم «الجنرال الأخضر» واللعب على الوتر المذهبي المعركة.
الأمر سيّان في عكّار، حيث يتربّع «أبو وليد» على عرش الخدمات مقابل خالد الضاهر وخالد زهرمان ومعين المرعبي. إلا أن وجيه البعريني يدرك ما يدركه جهاد الصمد، وأكثر..
وبالرغم من كلّ ذلك، دفعت القوى السياسيّة أمر الانتخابات سنتين وسبعة أشهر إلى الأمام، علّ الخريطة السياسية تتغيّر.

    لينا فخر الدين