يسجل للرئيس سعد الحريري أنه نجح في خطب ودّ الشارع المسيحي والقيادة الروحية المارونية من خلال تركيزه على أولوية الاستحقاق الرئاسي واستعداده للقيام بمبادرات. في هذا الاتجاه، فإن نقطة ضعف فريق 8 آذار، وتحديداً حزب الله، استسلامه للترشيح الذي لا عودة عنه للعماد ميشال عون، برغم قناعة معظم هذا الفريق أن وصول "الجنرال" إلى قصر بعبدا دونه مطبات كثيرة، في الداخل والخارج على حد سواء.


ولعل الحريري يفترض أن التمديد للمجلس النيابي، صار عمليّاً في جيبه، ذلك أن مسألة الإخراج "باتت مسألة أيام قليلة"، فاذا توافرت الآلية الدستورية، من دون حاجة إلى عوامل ضغط سياسيّة، باتت القناعة المسيحيّة بعدم الاعتراض والطعن أكبر من أي وقت مضى... أما إذا كان هناك من يريد المزايدة، خصوصا في الشارع المسيحي، أو يملك حسابات أخرى، فإن السيناريو الحريري الأخير بات جاهزا: إعلان مقاطعة "المستقبل" للانتخابات النيابية، أي الانسحاب السياسي منها ترشيحاً واقتراعاً، في نسخة مكررة للمقاطعة المسيحية في العام 1992.
هذا السيناريو سيلزم رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحلفاءه بالسير في مشروع التمديد النيابي بذريعة الميثاقية التي صارت حجر زاوية في عملية إدارة السلطة منذ العام 2005 حتى الآن، في غياب الراعي أو الناظم الخارجي للتوازنات الداخلية بكل مسمياتها.


أما الحسابات الأخرى التي يضعها الحريري في الحسبان، فأن تكون هناك نيات مضمرة لدى أطراف داخلية، وخصوصا حزب الله وحليفه الماروني ميشال عون بالوصول من خلال شعار "عون أو الفراغ"، الى سيناريو يقود المؤسسات كلها الى الفراغ والشلل، من رئاسة الجمهورية الى المجلس النيابي الى الحكومة التي ستصبح حكومة تصريف أعمال اذا انتهت ولاية المجلس بلا انتخابات أو تمديد!


وعلى الأرجح، فإن سعد الحريري، وهو يستعد لحزم حقائبه للعودة الى لبنان، لقيادة هذه "المعركة"، قد اتكل على ذاكرة اللبنانيين، في معرض تفسير الرسالة التي بعث بها من روما على الشكل الآتي: على "قوى 14 آذار" أن تبحث (منذ أمس الأول) عن أسماء، كما فعلت في 2007، حين سمّت قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، وأردف قائلا: "ربما يجب علينا أن نصل إلى هذه المرحلة الآن أيضاً"!
لكأن الحريري يقول إنّ ألفباء اعادة تركيب السلطة في لبنان اليوم ليس الذهاب الى طائف جديد (بعد ايام قليلة تحل ذكرى مرور ربع قرن على هذا الاتفاق الذي أنهى حرب لبنان الأهلية) ولا الى انتخابات نيابيّة جديدة، بل الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لمدة ست سنوات كاملة، شرط أن يكون واحدا من المنتمين الى نادي الرؤساء التوافقيين وتجاوزه مطب "الفيتو"، سواء من أحد أطراف الداخل أو الخارج، من حزب الله وسعد الحريري وميشال عون الى النظامين السعودي والسوري، مرورا بالأميركيين.
لننتظر عودة الحريري القريبة.