بعد البقاع في كل من عرسال وبريتال، كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن مخاطر "داعشية" تتهدّد المناطق الحدودية مع سورية في جبل الشيخ، محور العرقوب حاصبيا راشيا، حتّى أن بعض وسائل الإعلام اللبنانية ذهبت إلى حدّ رسم أكثر من سيناريو حربي محتمل في تلك المناطق، انطلاقاً من فرضية مفادها أن تنظيمي "داعش" و"النصرة" الارهابيين قد يجدان فيها وجهتهما الوحيدة المتبقية بعد فشل محاولاتهما في الدخول إلى لبنان عبر بوابة عرسال وبريتال البقاعيّتين!

 

ومع اقتراب فصل الشّتاء وتهديده آلاف المسلّحين القابعين في مغاور طبيعية في الجرود العرسالية، ترتفع وتيرة القلق اللبناني من تخطيط الإرهابيين لمحاولة التوغل والاستيلاء على قرية أو أكثر في أي من المناطق الحدودية في سوريا، بغية اتخاذها رهينةً والاستقرار فيها! وتشكّل مناطق العرقوب حاصبيا راشيا واحدة من تلك المناطق المفترضة، حسب المعلومات المتداولة في الإعلام.

 

ويرى مصدر أمني رفيع المستوى لـ"النهار الكويتية" أن لتلك المنطقة خصوصيتها الوطنية والطائفية والإجتماعية، وحتّى الديموغرافية.

 

أولاً: موقعها الحدودي مع الكيان الإسرائيلي كرّس لدى أبنائها منطق الجهاد ضد العدوان والالتفاف بوتيرة متساوية حول كل من المقاومة الإسلامية والجيش اللبناني، كمرجعيّتين آمنتين في الدفاع عنهم. وهذا الأمر إن دلّ، فعلى تكريس ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة" في تلك المناطق بفعل الواقع المعاش لا النظريات المعتنقة فحسب. ما يعني أن المنطقة قوية العصب إزاء أي اعتداء أو خرق والتسلل إليها لن يكون نزهة!

 

ثانياً: المعاناة التي عاشتها المنطقة في ظل الإحتلال كرّست فيها روابط أهلية تاريخية يصعب فسخها، مقفلة الباب على أية عصبيات او نعرات مذهبية وطائفية بين أبنائها. فإبن شبعا والعرقوب الشيعي يعتبر أن أمن دروز راشيا وحاصبيا ومسيحيي مرجعيون من أمنه، والعكس صحيح!

 

ثالثاً: حتّى النزوح السوري إلى المنطقة له خصوصيته، إذ يتّخذ بمعظمه طابع القربى بين النازحين ومستضيفينهم من اللبنانيين، نظراً لروابط التزاوج وصلة الدم التي تربط أهالي المنطقة بالسوريين القادمين من قرى وبلدات الطرف الثاني من جبل الشيخ!

 

رابعاً: إن تنسيق وليد جنبلاط مع حزب الله في هذه المرحلة بالذات عكس ارتياحاً واسعاً في صفوف أبناء المنطقة، وكرّس مقولة الامن المشترك بينهما، واتفاقهما المعلن وغير المعلن على أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية يجب ان يكونا المرجع الأول والأخير في حال تعرّض المنطقة لأي اعتداء، وذلك تفادياً للأمن الذاتي ومخاطر تحوّل السلاح المستخدم فيه إلى وسيلة لتصفية حسابات بعض الحاقدين او إلى مساحة للعابثين بأمن المنطقة من أعداء الوطن برمّته! ولا شكّ بان كلام المصدر الأمني يحمل في طيّاته احتمالين اثنين، أولهما أن حزب الله والحزب التقدّمي الإشتراكي يجمعان على مرجعية الدولة لتفادي أي احتكاك بين عناصرهما في تلك المناطق الأكثر من حساسة لقربها من إسرائيل، وثانيهما أن التنسيق المشترك بين الحزبين لا يغفل الشق الأمني، وإن كانت مصادر كليهما تؤكد أن المنطقة هادئة ومن المستبعد أن تتعرض لأي خطر "داعشي"!

 

(النهار الكويتية)