في تحديد موضوعي لحقيقة الأخطار المحدقة بلبنان، من دون إغراقٍ في التخويف ولا تقليلٍ لأخطار الاحتمالات التي ترتّبت على معركة جرود بريتال، رأت أوساط سياسية واسعة الإطلاع أن ثمة خلاصات أبعد من الواقع الميداني نفسه يفترض الالتفات اليها، وهي تتصل بالصراعات الاقليمية الضخمة التي تدور خلف الوقائع الأمنية/ وكان من أبرز معالمها في معركة جرود بريتال انها رسمت خط الصدام المباشر بين تحالف ايران والنظام السوري و”حزب الله” مع مَن يمكن ان يكون مستفيدا إقليميا من التنظيمات المهاجمة وفي مقدمها "النصرة" تحديداً.

وأعربت الأوساط السياسية لصحيفة "الراي" الكويتية عن إعتقادها أن هذا العنوان الطارئ في إرسال رسالة الخرق الأمني مباشرة لمواقع "حزب الله"، يكتسب خطورة مزدوجة من دون ان يعني ان لبنان أُدرج حتمياً على لائحة الدول التي ستُستهدف بتمدُّد "نصروي" او "داعشي"، كما شاعت مخاوف داخلية في اليومين الاخيرين او كما حرصت دوائر معينة على اشاعته لأهداف معينة.

وبحسب هذه الاوساط، فان لبنان مختلف بالكثير عن واقع سوريا والعراق ولكنه ليس بعيداً اطلاقاً عن تموجات الصراع الايراني- الخليجي- الاقليمي. وتبعاً لذلك فان تعرُّضه لأخطار الارتدادات الجارية في سوريا والعراق يضعه واقعياً في عين العاصفة مع استمرار امكان عدم سقوطه نهائياً في المحاذير التي أشيعت في الساعات الاخيرة.

وتقول الاوساط نفسها ان هناك مَن يدرك تماماً على المستوى الاقليمي والدولي ان مضي التنظيمات المسلحة في تصعيد الضغط العسكري يبدو بمثابة قرار ضمني لاستنزاف “حزب الله” وحمْله على التراجع من سوريا، وهو امر يحظى ضمناً بغض نظر من جهات خارجية عدة. ولكن في الوقت نفسه لا تُسقِط هذه الجهات خطورة تصعيد غير عادي على الجبهة اللبنانية لانه قد يدفع بالحزب ومن ورائه ايران طبعاً الى محاولة قلب الطاولة رأساً على عقب على صورة ما جرى في صنعاء.

وفي ظل صِدام التوازن السلبي بين خياريْ استنزاف الحزب في لبنان وسوريا وإمكان ردّ الحزب وإيران بواقع آخر من هذا النوع، فان الاوساط ترجح ان تندفع إرادات دولية وإقليمية لمنْع انزلاق لبنان الى الخيارات القصوى، ولو ان ذلك لن يقي لبنان مواجهات مقبلة ولكنها ستبقى ضمن خطوط حمر مرعية إقليمياً ودولياً.

وفي ظل هذا الرسم البياني لتوازُن الرعب الذي يسود المشهد اللبناني، تقول الاوساط المطلعة ان الايام والأسابيع المقبلة تتسم بأهمية مفصلية لجهة مراقبة الواقع الميداني من جهة والواقع السياسي والديبلوماسي من جهة اخرى. اذ ان ما يسمى مظلة الحماية الدولية للبنان تبدو في واقع يشبه تماماً مظلة الحماية الداخلية لما تبقى من استقرار.

ولفتت الأوساط إلى تبدّل الموقف بعد معركة بريتال، اذ غدا العنوان الملح هو الدفاع عن الاستقرار ومنْع انزلاق لبنان الى حيث لا يعود ينفع معه اي جهد استباقي، مضيفة أنه لن يكون ممكناً الحكم مسبقاً على نتائج السباق الخطر بين الاحتمالات الماثلة الآن قبل تبيان ما اذا كان ثمة تقاطُع بين القوى الدولية المؤثرة وإيران تحديداً على تحييد لبنان بالحد الادنى الذي يلائم مجمل هذه القوى في الوقت الراهن على الأقلّ.