مع رحيل سماحة العالم الأديب السيّد هاني فحص، يخسر لبنان والعالم العربيّ والإسلاميّ عًلماً بارزاً من أعلام الحوار والانفتاح، وقد ترك (رحمه الله) في المكتبة العربية إرثاً علمياً وأدبياً راكم فيه ومن خلاله أهمّ الأسئلة المتصلة بقضيّتين اثنتين؛ إحداهما قضيّة الإسلام ومواكبته لتحدّيات العصر والحداثة، والثانية قضيّة التطرّف الديني وانعكاساتها السلبيّة على الوحدة والحوار.
لقد شكّلت حركة التطرّف في نظره عائقاً أساسيّاً في الدّعوة إلى الوحدة الإسلاميّة والحوار الإسلامي ـ المسيحي، فعمل على تقديم خطاب إسلاميّ متجدّد، وسعى في دراساته ومراجعاته النقديّة إلى تجديد الفكر الإسلامي، وإلى إصلاح المناهج.. وقد احتفظت ندوات الحوار والتّجديد للسيّد الراحل بمواقف وعطاءات لا تزال شاهدةً على دوره الاستثنائيّ، ولا سيّما فيما يتّصل بتصحيح بوصلة العمل الإسلامي الجهادي، لتبقى موجّهةً نحو فلسطين والمقاومة، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ السيّد هاني فحص هو من أبناء الحركة الإسلاميّة الإصلاحيّة، ومن أبناء هذه المقاومة في فلسطين ولبنان.
وجدير بالإلفات أنّ السيّد (رحمه الله) كان سيّد الاختلاف الجميل، لم يصرفه الاختلاف عن الالتزام بأدب الجدال والقيم الأخلاقيّة، فكان من أكثر المتسامحين مع خصومه ومخالفيه في الرّأي وفي السياسة.
لقد كان للسيّد خياراته الّتي آمن بها وناضل من أجلها، ومنها خياراته السياسيّة التي لم تذهب به إلى حدّ القطع والقطيعة مع الآخر المختلف. كما ستظهر الأيّام، أنّ السيّد هاني فحص لم يتنكّر في يوم من الأيام لجذوره الأولى الّتي أسهمت في تكوين شخصيّته العلميّة والأخلاقيّة؛ فهو ابن جبل عامل الّذي حمل قيمه إلى النجف، وهو ابن النجف الذي عاد بقيمه إلى جبل عامل، وحسبه من هذا أو ذاك أن تكون باكورة أعماله الأدبيّة عن دفتر الولد العامليّ، والإضاءات التي ضمّنها أوجاع طفولته الّتي ترعرعت مع أوجاع شتلة التبغ في الجنوب، فلا تُذكر شتلة التبغ الجنوبيّة إلاّ ويذكر معها هاني فحص، ولا تذكر حركة النهوض العاملي ضدّ الظّلم والحرمان، وإلا ويذكر معها السيّد هاني بصوته الرّافض لمشاريع الاستسلام والرّكون إلى زيف الواقع.
وستفتقد منتديات الحوار هذه الشخصيّة الّتي تميّزت بحضورها المنفرد المتميّز بإزالة العراقيل التي كانت تعترض قنوات التّواصل مع الجميع.
كان السيّد هاني بحقّ رجل التمرّد والاحتجاج، والّذي لم يستقرّ على حال، حتّى إنّه تجاوز نفسه في هذا الترحال المتواصل بحثاً عمّا يعتقد أنّه الصّواب. ولا عجب إن كان سيبقى مدار اختلاف في قراءة أفكاره وتحوّلاته، كما كان هو في اختلافه مع نفسه في ضوء إشكالاته المتجدّدة التي لم يكفّ عن طرحها، في محاولاته للإجابة عن أسئلة الحياة والحريّة والمصير.