إذا كان أهل البقاع خصوصاً قد أرعبتهم الهزّة الأرضية التي ضربت أرضهم، فإنّ اهتزاز لبنان بالفتنة الطائفية التي كادت تشتعل في البلاد بعد إقدام داعش على إعدام جندي ثانٍ من المخطوفين لديها... وهو الشهيد عباس مدلج فقد أصاب الهلع أهل البقاع أيضاً ولبنان كله بعد سيطرت الغرائز وحلت مكان العقول الواعية وبدأ مسلسل عمليات الخطف المتبادل وقطع الطرقات بالدواليب والسواتر الترابية... لقد كادت الفتنة الطائفية والمذهبية أن تحقق هدفها لولا تدخل الحكماء من الطرفين وكادت داعش أنْ تحقق أيضاً هدفها بأن يكون لبنان ساحة اقتتال فئوي ومذهبي لأنها لا تستطيع أن تعيش إلا في هذه الأجواء الدموية المجنونة. إنها حركة تشبه مصاصي الدماء الذين لا يستمرون إلا في العيش على حساب غيرهم ونسأل ما هو الهدف، من الخطف والإقتتال طالما أنًّ والد الشهيد عباس مدلج كان عظيماً بمواقفه عندما دعا الى الوقوف خلف الجيش لمحاربة الإرهاب التكفيري داعياً أن تكون دماء إبنه سبيلاً لإطفاء الفتنة وليس لإشعالها.

وما أسرع اللبنانيين في نسيان ماضيهم عندما اقتتلوا وامتلأت شوارع لبنان برائحة الموت والدمار والخراب والتشرّد، وما أسرع استئصال فتيل الغرائز عند اللبنانيين، فبلمح البصر ينزل الشبان الى المفارق والطرقات ويشعلون النيران فيها غير مدركين أنّ نيران الفتنة إن امتدت فسوف لن ترحم احداً بل ستطال الجمية سُنَّةً وشيعة مسيحيين ومسلمين ودروزاً....

إذا فلبنان على صفيح فتنةٍ ما زال أوارها يشتعل ما لم يدرك المعنيون في البلاد أنّ هناك فرصاً ضئيلة لحل مشكلة المخطوفين العسكريين، وسيصبح بلدنا مكشوفاً كما سوريا والعراق إن لم نحصنه ونعطيه جرعات قوية تحول دون وصول فيروس الفتنة الى قلبه، والفتنة هي في أطرافه وبالتحديد حيث استطاع الإرهابيون ان يوجهوا صفعة الى الدولة والى العيش المشترك لطالما نادى به المسؤولون، واللبنانيون وما زال بإمكان الدولة ان تحسم أمرها مع من اعتدى على سيادتها واقتاد جنودها رهائن وبدأ ينفذ فيهم أحكام الإعدام...

إننا نحتاج في بلدنا لبنان الى حكومة جريئة وواعية وحكيمة يمشي خلفها كل اللبنانيين للخلاص من شر الفتنة التي أرادها الداعشيون أن تصل الينا... وملف المخطوفين يجب ان يكون الشغل الشاغل لها قبل فوات الأوان؟ ومن يدري فقد الإرهابيون غداّ بإعدام أحد الجنود سعياً منهم لضرب الوساطة التي يقوم بها رئيس جهاز الأمن العام مكلفاً من قبل الحكومة كما فعل الإرهابيون قبل أيّام عندما أعدموا الشهيد مدلج وأطلقوا رصاصة الرحمة على المبادرة القطرية...

إذاً المسألة تحتاج الى جهد حثيث وعمل دو فاعلية قبل أن يتحرك مجدداً فالق عرسال وتعود حفلات الجنون الى شوارعنا وقرانا ومدننا... فمتى تنقشعُ هذه الغمامة السوداء عن بلادنا؟ ومتى نعي أننا كما غيرنا أحجار شطرنج في اللعبة الدولية؟ متى نعي نحن اللبنانيين أنّ وحدتنا أفضل وأنجع دواء لداء الفتنة المستشري في المنطقة حيث عجز الكثيرون عن إيجاد دواء له؟ متى نعي نحن اللبنانيين أن الحرب الطائفية هي من أشّد الحروب خطراً على بقاء الوطن وإذا فقد الوطن فأين هي المكاسب؟ متى نعي نحن واللبنانيين أن اسرائيل هي المستفيدة حتماً من هذه الأجواء ومن يمنعها من أن يتحرك عملاؤها في الداخل لصب الزيت على النار من خلال عملية قتل هنا وهناك؟ ومن يمنع من أن تقوم إسرائيل في هذه الإجواء بعمليات أمنية في العمق اللبناني فيما نحن متلّهون بقتال بعضنا، وعندها يسيطر الندم ولات ساعة الندم....

يكفي ان ندرك نحن اللبنانيين أن البلاد لا تحفظ بالضغائن والأحقاد بل بالمحبة والتسامح والتكاتف والتعاضد ومد أيدينا الى بعض كجسر عبور من ضفة الفتنة الى ضفة التماسك والحياة الكريمة.