ينتحر شخص واحد كل ثلاثة أيام في لبنان. وتشير التقديرات إلى زيادة نسبة الانتحار في لبنان في العام الحالي بنسبة 25 في المئة مقارنة مع الأعوام السابقة. وتعود تلك الأرقام إلى مصادر قوى الأمن الداخلي وكشفها رئيس قسم الطب النفسي في «المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور زياد نحاس خلال إطلاق القسم وصندوق «Embrace» ووزارة الصحة العامة، الحملة الوطنية للوقاية من الانتحار، أمس، في اليوم العالمي للوقاية من الانتحار.

يعتبر هذا المعدل، وفق نحاس، أقل من المعدلات التي تسجلها الدول الأوروبية والأميركية، غير أن هناك كثيراً من العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية التي تطمس حالات الانتحار في لبنان، ما يشير إلى وجود عدد أكبر من الحالات. ويؤدي صغر المجتمع اللبناني وتلاحم العائلات إلى زيادة الأثر السلبي (شعور بالذنب، اللوم والفقدان..) لحالات الانتحار على أفراد العائلة الواحدة والمحيط.

تعتبر كل حالة انتحار مأساة. ويتعرض الأشخاص من جميع الأعمار والأجناس والأعراق والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، وفق منشورات المركز الطبي في «الأميركية»، لخطر الانتحار. تعتبر النساء أكثر عرضة لمحاولة الانتحار، بينما يسجل الرجال معدل وفاة أعلى بسبب الانتحار. ويعتبر الأشخاص الذين يتجاوزون الخمسة والستين عاماً أكثر عرضة للانتحار. يعاني الأفراد الذين يحاولون الانتحار، في معظم الحالات، مرضاً نفسياً مثل الاكتئاب، الإدمان على المخدرات والكحول والفصام. وتشمل عوامل الخطر التي تؤدي إلى الانتحار الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، الشيخوخة، الإصابة بأمراض خطيرة. ومن الممكن أن تعزز بعض العوامل السلوكيات الانتحارية مثل ضعف الروابط العائلية، التعرض لاعتداء جسدي في الطفولة، التعرض للتنمّر، الاعتداء الجنسي أو العاطفي، أو لخسارة عاطفية أو مالية كبيرة، الانعزال، الشعور بالرفض، الحرب وغيرها. يظهر الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار بعض الإشارات مثل الشعور باليأس وفقدان الأمل، التعبير عن رغبة في الموت، الشعور بالألم، التصرف بتهور، تناول الكحول والمخدرات وغيرها.

يشوب الانتحار كثير من المفاهيم الخاطئة: الأشخاص الذين يتحدثون عن الانتحار لا يقصدون القيام بذلك، معظم حالات الانتحار تحدث فجأة من دون سابق إنذار، الشخص الذي لديه ميول انتحارية عازم على الموت، الانتحار وراثي، الانتحار لا يحدث إلا بين الأشخاص من طبقة اجتماعية واقتصادية معينة. بينما تبيّن الحقائق أن الأشخاص الذين يتحدثون عن الانتحار يحاولون الحصول على المساعدة والدعم، وتسبق معظم حالات الانتحار علامات تحذير لفظية أو سلوكية، ويتردد الأشخاص الذين لديهم ميل إلى الانتحار بين الحياة والموت. ولا يعتبر الانتحار وراثياً بل يزيد حصول حالة انتحار في العائلة من احتمال انتحار شخص آخر إذا كان يعاني مرضاً نفسياً شديداً.

يوضح نحاس أن ليس كل من يقدم على الانتحار يريد فعلاً الموت، بل يرغب في أن يتخلص من الألم الذي يعانيه. ولا يعتبر الأفراد الذين يحاولون الانتحار ضعفاء وأنانيين ويحاولون الحصول على الاهتمام، بل ترتبط نسبة تسعين في المئة من حالات الانتحار بأمراض نفسية مثل الاكتئاب أو الإدمان أو الفصام والتي يمكن علاجها. ولا يشجع الحديث عن الانتحار حالات الانتحار، بل يساعد الأمر في الوقاية وتجنب حدوث المأساة.

الوقاية
تحتفل بلدان العالم في العاشر من أيلول باليوم العالمي للوقاية من الانتحار الذي تنظمه «الرابطة الدولية لمنع الانتحار». وتعتبر «منظمة الصحة العالمية» أن الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية تستوجب خطة ورؤية ومجموعة من الاستراتيجيات. ويمكن اتخاذ بعض التدابير للحد من حالات الانتحار مثل الحد من فرص الحصول على وسائل الانتحار (المبيدات، والأدوية والأسلحة)، علاج الأشخاص الذين يعانون الاضطرابات النفسية، متابعة الأشخاص الذين حاولوا الانتحار في السابق، تدريب القائمين على الرعاية الصحية الأولية، ونشر التوعية بطريقة مسؤولة في وسائل الإعلام. ويساعد تثقيف الأهل بأهمية التواصل مع الأبناء، ومساعدة الأفراد على التعامل مع الضغوط النفسية، وتشجيع الشخص على طلب المساعدة والدعم والبحث عن العلاج في الحد من حالات الانتحار.

ترتكز سبل الوقاية من الانتحار، وفق نحاس، على الكشف المبكر وتشخيص الاضطرابات النفسية. ويساعد العلاج النفسي الفرد على فهم أفكاره وسلوكياته الانتحارية، وتوفر الأدوية علاج الأمراض النفسية التي تزيد من نسبة الأفكار الانتحارية وتخفف برامج التدخل المدرسي من حالات الانتحارعند المراهقين.

يشير مدير برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور ربيع شماعي إلى أن دمج الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية، وتفعيل قانون حماية الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية، والكشف المبكر للحالات وتوافر العلاج بكلفة مقبولة تساهم في تقليص حالات الانتحار في لبنان.

يؤكد وزير الصحة وائل أبو فاعور دعم الوزارة للمبادرات الوقائية للانتحار من خلال نشر الوعي وتعزيز الصحة النفسية. ويسأل أبو فاعور إذا كان الانتحار إخفاقاً ذاتياً أم هزيمة للمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد، إذ لا يعتبر الانتحار نقيصة في الفرد بل في المجتمع والدولة والنظام الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه المواطن، ويستحق الفرد الذي ينتحر الرحمة احتراما للمبادئ الإنسانية.

حالة كلّ أربعين ثانية
يكشف التقرير الأخير الصادر عن «منظمة الصحة العالمية»، الأسبوع الماضي، حدوث 804000 حالة انتحار في العام 2012، أي حالة انتحار واحدة كلّ أربعين ثانية، أو بمعدل 11.4 لكل مئة ألف نسمة. يشكل الانتحار ثاني أهم أسباب الوفيات عند الفئة العمرية بين 15 و29 عاماً. وتحدث نسبة 75 في المئة من حالات الانتحار في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. في البلدان الأغنى، يبلغ عدد الرجال الذين يموتون منتحرين ثلاثة أضعاف عدد النساء المنتحرات، بينما تبلغ النسبة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 1.5 رجل لكل امرأة واحدة. ويسجل الانتحار أعلى معدلاته عند الأشخاص الذين تجاوزوا السبعين عاماً عند الرجال والنساء وفي جميع أنحاء العالم. وتشمل الوسائل الأكثر شيوعاً للانتحار في العالم تناول المبيدات الحشرية، والشنق، واستخدام الأسلحة النارية. وتهدف منظمة الصحة العالمية إلى خفض الانتحار بنسبة عشرة في المئة بحلول العام 2020.

حملة

ترتكز «الحملة الوطنية للوقاية من الانتحار» على بث الإعلانات التلفزيونية، وعقد المحاضرات التثقيفية وتنظيم مسيرة يوم الأحد في 21 أيلول عند الساعة الخامسة فجراً إلى صخرة الروشة (التي ترتبط بأذهان كثيرين بفكرة الانتحار) تحت شعار «أكيد رح فيق وامشي للوقاية من الانتحار». ويسعى صندوق «Embrace» بالتنسيق مع وزارة الصحة لوضع خط ساخن لمساعدة الأفراد وإنقاذهم من الانتحار من دون أن تتوافر تلك الخدمة، حتى اليوم، في لبنان.

السفير