ارتسمت صورة أكثر قتامة للمشهد اليمني، أمس، في ظل مخاوف من تحوّل المواجهة الحالية الى صدام أكثر دموية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، وذلك بعدما فتحت الشرطة اليمنية النار على أنصار الجماعة المعتصمين في العاصمة صنعاء، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وفي الوقت الذي أكدت فيه حركة «أنصار الله»، التابعة للحوثيين، سلمية تحركها المطالب بإسقاط الحكومة وإلغاء الزيادة المفروضة على أسعار المحروقات وتطبيق مقررات الحوار الوطني، وهو تحرك بدأته منذ 18 من شهر آب الماضي، اعتبر المتحدث باسمها محمد عبد السلام أن «سقوط الشهداء والجرحى في ساحة التغيير باستهدافهم بالرصاص الحي، يثبت أن السلطة هي من تسعى للدفع بخيارات أخرى غير الخيار السلمي، وتفرضه فرضاً على الشعب».
وكانت أولى مؤشرات التصعيد بين الحوثيين والحكومة بدأت أمس الأول، بعدما أقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قائد قوات الأمن الخاصة اللواء فضل قوسي، على خلفية عدم تمكن هذه القوات من فض اعتصام للحوثيين بالقوة أمام وزارة الخارجية في صنعاء يوم الأحد الماضي. كما شنت الطائرات الحربية اليمنية غارات استهدفت مخازن أسلحة للحوثيين في محافظة الجوف، فيما دعا زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي إلى حشد كبير في ساحة التغيير لتأكيد استمرار التحرك لإسقاط الحكومة.
وفي تفاصيل الوضع الميداني أمس، تحول الاعتصام الحاشد الذي انطلق من ساحة التغيير في صنعاء، والذي دعا إليه الحوثي كتحرك تصعيدي ضد الحكومة، إلى مشهد دموي، حين فتحت الشرطة اليمنية النار على متظاهرين قالت إنهم «كانوا يحاولون اقتحام مقر مجلس الوزراء»، ما أدّى إلى مقتل سبعة متظاهرين وإصابة العشرات بجروح، بحسب ما أعلن المسؤول في اللجنة التنظيمية للتحركات الاحتجاجية للحوثيين، خالد المداني.

من جهته، أكد مصدر أمني في وزارة الداخلية اليمنية في بيان أن مجموعة من الحوثيين «حاولت الدخول بالقوة لاقتحام مقر مجلس الوزراء، غير أن قوات الأمن المكلفة بحراسة المقرّ، قامت بواجبها القانوني، ومنعتها من ذلك».

وفي وقت لاحق، ذكرت وكالات الأنباء أن القوات اليمنية تبادلت إطلاق النار مع متظاهرين «مسلحين» عند المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء. وقال مصدر أمني لوكالة «فرانس برس» إن المواجهات حصلت «عندما منعت نقطة عسكرية دخول سيارات محملة بالأسلحة إلى العاصمة اليمنية».

وفي قرار قد يكون مرتبطاً بأحداث مقر مجلس الوزراء، أصدرت وزارة الداخلية اليمنية قراراً بإقالة مدير شرطة صنعاء من منصبه. وقال مصدر في الوزارة إنه تمّ «تعيين العقيد عبدو معروف القواتي، مديراً عاماً لشرطة محافظة صنعاء، خلفاً للعميد يحيى حميد»، من دون توضيح الأسباب.

وكان الآلاف من أنصار الحوثيين خرجوا في تظاهرة من ساحة التغيير، باتجاه مقر مجلس الوزراء في وسط صنعاء. وتفرعت التظاهرة الكبيرة لاحقاً إلى تظاهرات صغيرة، قامت بقطع عدد من الطرقات في وسط صنعاء، فيما توجّهت مجموعة باتجاه مقر مجلس الوزراء.

كذلك، كثف المحتجون من حجم تواجدهم في صنعاء، إذ أقدموا أمس على نصب خيم جديدة في وسط العاصمة، حيث بات الآلاف منهم يعتصمون أمام المقار الوزارية الرئيسية، لاسيما وزارة الداخلية.

ولاحقاً، اعتبر المتحدث باسم حركة «أنصار الله» محمد عبد السلام أن الشعب اليمني «أثبت في ثورته السلمية سعيه السلمي للضغط على السلطة للاستجابة لمطالبه المحقة والعادلة». وأضاف أن «انتهاج السلطة القمعية، أولاً في شارع المطار، ما أسفر عن سقوط شهيدين وعشرات الجرحى، واليوم في مسيراته من ساحة التغيير باستهدافه بالرصاص الحي وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، يثبت أن السلطة هي من تسعى للدفع بخيارات أخرى غير الخيار السلمي والشعبي، وتفرضه فرضاً على الشعب» .

وقال عبد السلام «إنهم يريدون القول إنه على الشعب أن يدرك أن الخيارات السلمية ليست مقبولة، ولا مطروحة، وأن المظاهرات السلمية والتعبير الحضاري غير مقبول وغير مجدٍ في تصحيح الوضع»، مؤكداً أن «الرصاص المباشر والقتل لن يثنيا الشعب عن التمسك بمطالبه، بل بالعكس سيتمسك بمطالبه أكثر وأكثر» .

إلى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ» أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تلقى اتصالاً من وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، أكد فيه «استياء» المملكة مما أسماه «عدوان» الحوثيين.

ونقل الفيصل إلى الرئيس اليمني « قلق المملكة العربية السعودية البالغ إزاء التصعيدات الخطيرة التي تمارسها ميليشيات الحوثيين في العاصمة صنعاء وحولها، وكذلك في محافظتي الجوف ومأرب»، مؤكداً «استياء المملكة ومجلس التعاون الخليجي لهذه الأساليب المتسمة بالعدوان على المجتمع اليمني».

واعتبر الوزير السعودي أن «أمن اليمن واستقراره ووحدته، تمثل أهمية استراتيجية للمملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، وكذلك أيضاً للمجتمع الدولي برمته»، مشدداً على أن «المساس بأمن اليمن واستقراره تحت أي ذريعة، إنما يمثل أجندة تختبئ وراءها مؤامرة، تهدف إلى زعزعة المنطقة كلها، على أساس أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة ومجلس التعاون الخليجي». وأكد الفيصل «دعم الرئيس اليمني في قراراته وإجراءاته وخطواته».

وكان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي توجه بكلمة أمس الأول إلى أنصاره اعتبر فيها أن «كل محاولات التضليل الفاشلة التي تنتهجها الحكومة، والدعم الخارجي، لن تنجح في الوقوف في وجه المطالب المحقة للشعب اليمني».

وأكد الحوثي الاستمرار في تصعيد تحرك أنصاره لإسقاط الحكومة وإلغاء زيادة أسعار الوقود في البلاد، مشيراً في الوقت ذاته إلى» متابعة المفاوضات السياسية» للتوصل إلى حلول للأزمة الراهنة.

وفي سياق منفصل، قتل ثلاثة جنود يمنيين في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف حاجزاً للجيش في محافظة حضرموت في جنوب شرق اليمن، وذلك بعد إحباط الجيش هجوماً انتحارياً مماثلاً في المكان ذاته، بحسب ما أفاد مصدر عسكري، مضيفاً أن «الهجومين تبعتهما اشتباكات بين القوات اليمنية وعناصر من تنظيم القاعدة، أسفرت عن مقتل 10 عناصر من الإرهابيين»، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء اليمنية.