دماء تملأ الساحات، نحر، ابادات جماعية، تعذيب واغتصاب، هذا غيض من فيض جرائم تنظيم "الدولة الاسلامية" التي لا تهدأ ولا تستكين، فالجميع تحت حد السكين، والذبح انتقل لديها من هواية الى احتراف في مسلسل يصعب التكهن بتاريخ بث حلقته الأخيرة والأحداث النهائية التي ستؤول إليها.

من اليمن إلى العراق مروراً بسوريا يسرح ويمرح عناصر "داعش" على جثث الآلآف بعد تهجير الملايين، ولا يزال العرض مستمراً، لا بل أنها تعمل على ترويج جرائمها وايغالها في القتل والتنكيل.
هذه الجرائم التي لم تتوقف عند حد ولم تستثن أحداً ممن يخالفها فكرها وعقيدتها، طالت المسلمين والمسيحيين والعرب والأكراد والتركمان والشبك والصابئة والايزيدية حتى وصلت إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية، ما يطرح السؤال أين القانون الدولي مما ترتكبه "داعش" وهل سيبقى حبراً على ورق، أم سيتم تسخيره لمحاكمة كل من سولت له نفسه ارتكاب فظاعات بحق البشر؟
"ينظم القانون الدولي العلاقات أثناء الحروب ويضع قواعد وطرق وأسس لإلحاق المقاتلين به، لذلك لم يعد المقاتلون أحراراً في اختيار طرق ووسائل القتال فهناك حدود عليهم احترامها. من هذه المبادئ العالمية عدم المساس بالمدنيين والعدوان على الأماكن الدينية والثقافية والمستشفيات والصحفيين والأطفال والنساء . لذلك لا بد من أن يكون عدد المدنيين الضحايا قليل جداً مقارنة بالمقاتلين "، بحسب ما قاله أستاذ القانون الدولي حسن جوني لـ"النهار " مضيفا: "ما يقوم به "داعش" اليوم من قتل وذبح وتعذيب وغيره أسقط صفة المقاتل عنه، فهو لم يعد لا مقاتلاً ولا متحارباً بل فريق ارهابي خارج عن اطار القانون الدولي العام وتطبيقه، خصوصاً أن القانون الدولي الانساني أو القانون الدولي لحقوق الانسان يحمي الحق في الحياة ويمنع التعذيب والتهديد بالقتل".
وأشار الى ان "ما يقوم به "داعش" وغيرها من التنظيمات وضعها ليس خارج اطار القانون الدولي فقط بل خارج اطار الاخلاق وما كان يسمى في السابق شرف المقاتل لم يعد له وجود مع هذا التنظيم، لذلك من الصعب جداً البحث عن الانتهاكات التي يقوم بها عبر القانون الدولي الإنساني لأن كل ما هو ممنوع ومحرم في هذا القانون يقوم به، فهو ينتهك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون العام ".
زلفت الى ان اعمال "داعش" تشكل "جرائم حرب عملاً بالمادة 85 من البروتوكول الأول و المادة 8 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقات جنيف، كما يرتكب التنظيم جرائم موصوفة ضد الانسانية حسب المادة السابعة من نظام روما محتوى الجريمة الدولية حيث يقتل بشكل ممنهج، كما يمكن اعتبارها جرائم ابادة عملاً بالمادة الثانية من معاهدة 1948 المتعلقة بالابادة الجماعية وابادة الجنس والمادة 6 من نظام روما، حيث نرى نية في تدمير كل ما لا ينتمي اليه ".
وهل يكفي القول أن الجرائم التي ترتكب خطيرة من الناحية الإنسانية والأخلاقية والدينية؟ " لا شيء يبرر جرائم "داعش" وأعتقد أن الموضوع سياسي أكثر مما هو قانوني ومن وجهة نظري لا فائدة من ملاحقة هؤلاء المجرمين، فلا شيء يردع من يحملون ايديولوجية خطيرة مدمرة عن ارتكاب جرائمهم سواء تمت محاكمة بعضهم أم لا، كما أن المحكمة الجنائية الدولية غير صالحة لمحاكمتهم ما لم تكن دولهم أعضاء في نظام روما، لذلك من الممكن أن يحاكموا أمام قضاء بلدهم "، لكن جوني استبعد ذلك كون هناك سابقة، فالبريطانيون الذين حاربوا في العراق لم تتم محاكمتهم رغم ارتكابهم جرائم حرب.

خطوة على الطريق
خطوة ولو متأخرة لمواجهة الوحش الارهابي في العراق أتت من خلال موافقة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالإجماع مطلع الشهر الحالي على إرسال بعثة إلى العراق بشكل عاجل للتحقيق في الفظائع التي يرتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية "
روبرت كولفيل وهو أحد المتحدثين باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان أمل أن ترسل المنظمة الدولية محققيها وعددهم 11 إلى العراق خلال أسابيع، في حين أكدت المفوضة المساعدة لحقوق الإنسان فلافيا بانسييري إن "التقارير التي نتلقاها تكشف أفعالاً كبيرة غير إنسانية ولا يمكن تخيلها"، مشيرة إلى أعمال قتل محددة وعمليات اعتناق قسرية واختطاف وعبودية وتعذيب، فضلاً عن القمع المنهجي لأسباب دينية.
وإذا كان جوني غير متفائل في وجود أي رادع أخلاقي أو قانوني أو قضائي يمكن أن يلجم "داعش" عن الاستمرار في جرائمها، فالسؤال إلى متى سيترك من يعيثون في الأرض فساداً من دون أن يطبق عليهم حد العدالة؟