عاد التراشق الإعلامي الى المشهد الفلسطيني من جديد. هذا التراشق بين حركتي "فتح" و"حماس"، يؤكد أن الأزمة بينهما ما زالت قائمة، ولم تبددها المصالحة "الشكلية" التي جرت بين الطرفين.
وأثار الرئيس الفلسطيني محمود عباس حالة من الجدل بعدما أدلى بتصريحات تتعلق بحركة "حماس" وأدائها الذي يعيق إمكانية عمل "حكومة الوحدة" الفلسطينية. وهي تصريحات، ورغم الاستياء الذي أظهرته "حماس" منها، لا يبدو أنها ستؤثر على المصالحة الفلسطينية في هذه المرحلة.
وانتقد عباس إدارة "حماس" لقطاع غزة، وهدّد بإنهاء "الشراكة" معها في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. وقال، في كلمة خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، "لن نقبل أن يستمر الوضع كما هو، ولن نقبل أن يكون بيننا وبينهم شراكة إذا استمر وضعهم في غزة بهذا الشكل، فهناك حكومة ظلّ، مكونة من 27 وكيل وزارة، هي التي تقود البلد، وحكومة الوفاق الوطني لا تستطيع أن تفعل شيئاً على ارض الواقع". وقال "إذا حماس لا تريد سلطة واحدة، وقانوناً واحد، وسلاحاً واحداً، فإننا لن نقبل بالشراكة معها".
ويأتي تصريح الرئيس الفلسطيني بعد أن دار جدل حامي الوطيس بينه وبين رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل، في الدوحة مؤخراً، حين اتهم عباس الحركة "بمحاولة الانقلاب على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية كما فعلت في قطاع غزة"، وذلك بعد إعلان جهاز "الشاباك" الإسرائيلي إنه القى القبض على خلايا لـ"حماس" كانت تخطط لانقلاب على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقرر وزير الخارجية الموريتاني أحمد ولد تكدي، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس وزراء الخارجية العرب، تحويل الجلسة إلى مغلقة بعد انتقادات عباس لحركة "حماس".
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق هاجم الرئيس الفلسطيني. وقال، في تصريح لصحيفة "الرسالة"، إن "عباس عمل مخبراً عند (الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل) العربي، يسلمه أنفاقاً لغزة تجري خلالها عمليات! هذه ليست أعمال رئيس"، معتبراً أن الرئيس الفلسطيني صدّق رواية "مكذوبة لإسرائيل" بخصوص نية "حماس" الانقلاب على السلطة في الضفة.
وقال المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري، في بيان، إن "تصريحات عباس ضد حماس والمقاومة غير مبررة، والمعلومات والأرقام التي اعتمد عليها مغلوطة ولا أساس لها من الصحة، وفيها ظلم لشعبنا وللمقاومة التي صنعت هذا الانتصار الكبير".
وردّ المتحدث باسم "فتح" أحمد عساف على تصريحات أبو مرزوق وأبو زهري. وقال لـ"السفير"، إن "المتعامل مع أبو مرزوق وقيادات حماس يدرك مدى نفاقهم وتحدثهم بأكثر من لغة وموقف، فهم يتحدثون في الغرف المغلقة بشيء وفي العلن بشيء آخر"، مؤكداً أن هذه صفة "حماس" والتي "هي جزء من جماعة الإخوان (المسلمين)".
وأضاف عساف أن أبا مرزوق ومعه قيادة الحركة "لا وازع أخلاقي ولا وطني لديهم، فهم يتاجرون بدم أطفال فلسطين كما يتاجرون بالدين، يكفّرون من يشاؤون ويخوّنون من يشاؤون، ويستسهلون كيل التهم للآخر الفلسطيني. نحن لا نتجنى على احد، فالمشهد الإقليمي والعربي يوضح بجلاء دور حركات الإسلام السياسي، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان، في تمزيق الأمة العربية واستجلاب القوى الأجنبية إليها بحجة محاربة الإرهاب".
ويرى مراقبون، تعقيباً على تبادل الاتهامات بين قيادتي "فتح" و"حماس"، أن ذلك لن يؤدي "إلى انهيار المصالحة الشكلية بين الجانبين"، لأنها حالياً "ضرورة لكليهما لمواجهة التغيرات الإقليمية المعقدة".
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد ضراغمة، لـ"السفير"، إن "حماس اتخذت مساراً مختلفاً عن التوافق الذي أقرّته مع فتح بخصوص عدم التصعيد. حيث قامت الحركة بخطف المستوطنين الثلاثة في الضفة، وهو ما أدى في النهاية إلى الحرب على غزة التي كانت كارثية". وأضاف "برأيي، تصريحات الرئيس الفلسطيني تأتي من أجل الضغط على حماس لوضع ضوابط قوية تحدد شكل الشراكة مستقبلاً. الطرفان بحاجة إلى بعضهما البعض".
وتابع ضراغمة "الأزمة حقيقة قوية بين الجانبين، وعلى الطرفين تقديم تنازلات، خصوصا من حماس، التي ربما عليها أن تقدم تسهيلات حقيقية من أجل السماح بوجود سيطرة حقيقية للسلطة الفلسطينية على غزة".
إلى ذلك، أعلن رئيس "حكومة التوافق" الفلسطينية رامي الحمد الله، في مقابلة، مع وكالة "فرانس برس"، إن حكومته تلقت تحذيرات من "كل دول العالم" بعدم دفع أي أموال لموظفي "حماس" في غزة. وقال "تم تحذير الحكومة والبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية إنه في حال دفع هذه الدفعات لحكومة حماس السابقة في غزة فستتم مقاطعة الحكومة".
وأكد الحمد الله أنه "رغم التهديدات، أقوم باتصالات دولية لحلّ هذه الإشكالية، وهناك شبه تفاهم على دخول جهة ثالثة (لم يحددها) لتقوم بإيصال هذه الدفعات"، موضحاً "هناك بشائر خير خلال الفترة الزمنية المقبلة".
ويقدر عدد الموظفين، الذين وظفتهم "حماس" في غزة منذ العام 2007، بنحو 45 ألف موظف، بينهم حسب الحمد الله 27 الف مدني. واعتبر أن "إدراج موظفي حكومة حماس السابقة على قائمة موظفي السلطة الفلسطينية من أهم المشاكل التي تمنع الحكومة من العمل في قطاع غزة، بل هي المشكلة الرئيسية".
من جهة ثانية، سلمت إسرائيل سكان قرى فلسطينية جنوب الضفة الغربية، أمس الأول، قراراً أصدرته محكمة العام 1997 يقضي بمصادرة ألفي دونم من أراضي واد بن زيد شمال شرق يطا جنوب الخليل وقرى مجاورة، "لأغراض عسكرية".