بدأت خطة "داعش"، لبنانياً، في تركيزها على استهداف الجيش اللبناني، والمناطق المحسوبة على "حزب الله"، مثلما فعل تنظيما "كتائب عبد الله عزام" و"النصرة"، في سياق "الانتقام من تدخل الحزب في سوريا"، وفق بياناتهم بعد وقوع العمليات الانتحارية وقبلها.

أما المعارك والاشتباكات المسلحة وخطف العسكريين في عرسال في 2 آب الماضي، فإنها حتى اليوم تطرح علامة استفهام لدى كبار الضباط، من شأن الإجابة عنها توضيح المسار المقبل لتوجّه "داعش" و"النصرة" في فرضية التمدد لبنانياً، علماً بأن غالبية المعطيات الأمنية المتوافرة تؤكد صعوبة اللجوء إلى خيار التمدد في لبنان.

يوضح بعض الضباط المعنيين في الملف لـ "السفير": "قبل سقوط القلمون بيد الجيش السوري وحزب الله، لم يكن ثمة وجود فعّال ومؤثر للمسلحين في جرود عرسال مثلما هي الحال الآن. بعد هروبهم من القلمون، استقروا في الجرود. السؤال الأساس يكمن في معرفة السبب الرئيس خلف وقوع معركة عرسال، إذ هل فعلاً كان بسبب توقيف الجيش لعماد جمعة، علماً بأن لا معلومات تؤكد موافقة قيادة داعش المركزية على المبايعة التي أرسلها جمعة للتنظيم، بينما المجموعة المحسوبة على داعش في الجرود هي من نفذت الهجوم على الجيش في عرسال".

يضيف الضباط: "جمعة كان أميراً للواء فجر الإسلام في جرود عرسال قبل توقيفه وليس محسوماً أن داعش وافقت على مبايعته لها، ومثل بقية الفصائل المسلحة، كان موجوداً في القلمون قبل سقوطها. المجموعة المحسوبة على داعش، التي كان يتزعمها أحمد طه قبل مقتله ثم تسلم قيادتها شخص يُدعى أبو حسن السوري، هي التي شنّت المعركة على الجيش بعد توقيف جمعة، ولأن عدد أفرادها قليل استغاثت بجبهة النصرة وكتائب عزام وباقي الفصائل المسلحة، فاجتمعوا كلهم على قتال الجيش في عرسال".

لكن، وفق الضباط، لو كان فعلاً سبب الهجوم على العسكريين مردّه توقيف جمعة، فلماذا إذاً "لم يرد اسمه في لوائح الأسماء التي أرسلها إلينا داعش لمقايضتها بالمخطوفين العسكريين؟"، يسأل ضباط معنيون، مؤكدين أن "الأسماء التي وصلتنا من الوسطاء آنذاك، كانت كلها تركز على موقوفي فتح الإسلام وتشدد على أسماء سجناء سعوديين بارزين في رومية، بينما اسم جمعة، الذي يقول الخاطفون انهم بسبب توقيفه شنوا المعركة، لم يصل إلينا اطلاقاً".

ينطلق هؤلاء الضباط من سؤالهم إلى طرح أسئلة في سياق متسق: "هل كان الهدف من المعركة الاستيلاء على أسلحة وآليات وذخيرة؟ هل كان الهدف جس نبض أهالي البلدة والقوى العسكرية والأمنية؟ هل فعلاً هذه المجموعات المسلحة تنفذ تعليمات رسمية من قيادة داعش المركزية؟ هل الهدف الأساس سياسي، أم مالي من خلال قبض أموال من دولة وسيطة مثل قطر، مقابل إطلاق سراح المخطوفين؟ كيف يتفق داعش مع النصرة في جرود عرسال، وهما المتحاربان في سوريا، وما هي حدود هذا الاتفاق القائم على علاقات شخصية قوية كانت موجودة بين طه وأمير النصرة أبو مالك التلّي؟".

يؤكد الضباط أن "جبهة النصرة" تتصرف بطريقة مختلفة عن "داعش" في عرسال، إذ تصرّ على عدم تخويف اللبنانيين السنّة وترهيبهم واستفزازهم وتدّعي حرصها على سلامة اللاجئين السوريين، خلافاً لـ"داعش". ويلفتون إلى وجود "مبالغة في الأرقام التي يتداولها السياسيون في الإعلام عن عدد أفراد داعش في الجرود، إذ تصل بهم التقديرات أحياناً إلى أكثر من ألفين، فيما عددهم بناء على معلوماتنا وتحليلنا لمعطيات معركة عرسال منذ بدايتها إلى حين نهايتها، تشير إلى أن عدد أفراد داعش في جرود عرسال لا يتجاوز المئة".

وفي حين يعتبر ضابط في جهاز أمني آخر أن الرقم "مئة ليس دقيقاً، بل عددهم أكثر من ذلك"، إلا ان الضباط الآخرين يقولون إن "جبهة النصرة"، التي يُقدر عديدها بنحو خمسمئة عنصر، هي التي حسمت قرار وقف المعركة في عرسال وليس "داعش"، مؤكدين أن "هذه المعلومة متقاطعة لدى كل الأجهزة الأمنية الرسمية. لو فعلاً عدد أفراد داعش في جرود عرسال بالآلاف، ما كانوا ليستنجدوا بالنصرة وغيرها في المعركة. ونملك معطيات مفادها أن عدد المسلحين في جرود عرسال، وهو مجموع أفراد 6 فصائل مسلحة، لا يتجاوز الألفي مسلح، ولو ان عددهم أكثر من ذلك ما كانت لتسقط القلمون بالسرعة القياسية التي شهدتها".

المسلحون في الجرود يشكلون خطراً، سواء كان عددهم ألفين أو 5 آلاف، وبدا ذلك جلياً حين وقعت معركة عرسال. لكن بعض الضباط يوضحون أن "هذا الخطر يمكن كبحه واستيعابه، من خلال عزل بلدة عرسال عن جرودها، وبذلك يتم التضييق على المسلحين وخنقهم"، بينما يسأل ضابط آخر: "ثم من يضمن لنا أن المسلحين لن يحتلوا عرسال؟ توجد ضمانة أن النصرة لا تريد الاشتباك مع السنة، وبذلك يمكن تجنب فرضية الاحتلال، لكن ماذا لو احتلوها فعلاً، من دون اللجوء إلى معركة مسلحة؟".

السفير