على الأرجح، ستكون جلسة 2 أيلول لانتخاب رئيس للجمهورية كسابقاتها. سيؤجّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة إلى موعد آخر، ربما إلى الأسبوع الأخير من أيلول.. إلا إذا كانت المعطيات التي قد تتوافر لديه تفضي إلى تحديد موعد يسبق أو يلي هذا الموعد بأسبوع واحد، وهو أمر محتمل نظرياً.


الدخول في تحديد هذه المواعيد يتزامن مع موجة تفاؤل بدأت تتسرّب من بعض مواقع القرار الإقليمية والدولية، بأن الفرصة الرئاسية دنت فعلاً هذه المرة، وأن أوان انتهاء الفراغ قد بدأ يقترب.


المعطيات المتجمّعة تشي بأن قطار التسويات في كل المنطقة قد أقلع من العراق بوقود النفط المستخرج بإشراف «داعش»، والذي وضع الدول الإقليمية المؤثّرة بالقرار في لبنان أمام حقائق الجغرافيا التي فرضت إعادة قراءة وقائع لا يمكن القفز فوق ما يمكن أن تتركه من تداعيات خطيرة على تلك الدول نفسها.
الاعتقاد السائد أن إطاحة نوري المالكي المقرب من ايران، من رئاسة الحكومة العراقية، لمصلحة رئيس الحكومة المكلّف حيدر العبادي، المحسوب على إيران أيضاً، حقّق هدفين:


الأول، إرضاء المسؤولين السعوديين بـ«نصف انتصار» عبر تغيير شخص المالكي من دون تغيير في التوجه السياسي للحكومة العراقية. وقد جاء الرضى السعودي بحكم الواقع العراقي المستجد بنشوء «الدولة الإسلامية» على مساحة شاسعة من الأراضي العراقية والسورية، وكذلك نتيجة اقتناع سعودي بصعوبة انتزاع السلطة في العراق من القبضة الإيرانية.
الثاني، قبول إيراني بشراكة مع السعودية، وهو ما فتح الباب لانطلاق حوار مباشر بين الرياض وطهران حول مختلف الملفات المشتركة.


بذلك تكون كل من السعودية وإيران قد تراجعت خطوة إلى الخلف، وهو ما يعني أن انطلاق الحوار بينهما سيكون منطلقاً من قناعة الطرفين بشراكة واقعية في المنطقة.
هنا، يبدو واضحاً أن الخطر المشترك على الدولتين المتمثّل بـ«داعش» كان حافزاً لفك الاشتباك بينهما، كما أنه يدفعهما إلى تسريع الحوار لإنتاج سلّة تفاهمات تشمل كل خطوط التماس القائمة بينهما في اليمن والبحرين والعراق وسوريا.. وصولاً إلى لبنان.


وإذا كانت مؤشرات هذه التفاهمات قد بدأت تباشيرها من العراق، وتنتقل بسرعة قياسية إلى سوريا من خلال ملامح تغيير في الموقف السعودي من الحرب فيها، فإن التفاهم في الملف اللبناني يبدو أكثر سهولة، نتيجة ما سبق من تسويات نجحت في صياغة اتفاقات موضعية.


كل ذلك يقود إلى تعليق الآمال اللبنانية على زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض، وما يمكن أن ينتج منها من إيجابيات تؤدي إلى حلحلة العقد السياسية، بدءاً من انتخابات رئاسة الجمهورية وصولاً إلى التفاهم على التمديد للمجلس النيابي.


وفق المعطيات المتوافرة قبل زيارة عبد اللهيان إلى الرياض، فإن موجة التفاؤل كانت تؤشر إلى أن طبخة انتخابات الرئاسة وُضعت على النار، وجرى تحديد شهر أيلول كموعد لانتخاب رئيس للجمهورية، على اعتبار أن هذا الموعد يستبق موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي، وبالتالي يمكن حصول التمديد للمجلس بأقل قدر من الاعتراضات.


بعد الزيارة، ارتفع منسوب التفاؤل بإمكان حصول انتخابات الرئاسة في نهاية أيلول أو مطلع تشرين الأول المقبل، مع الأخذ بالوقائع التالية في حسابات الرئاسة:


ـ تسمية تمام سلام لرئاسة الحكومة، ثم تشكيل الحكومة بالتوازنات التي ترجّح كفّة السعودية عبر تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار»، بموافقة إيرانية.


ـ التعاون «عن بعد» في تأمين مظلّة سياسية سعودية ـ إيرانية مشتركة لتنفيذ خطة أمنية نجحت في وقف جولات العنف في طرابلس وفي ضبط الوضع الأمني في مناطق البقاع.


ـ فاتورة تنازل إيران عن نوري المالكي في العراق يفترض أن تُصرف في مكان آخر.


ـ الوقائع السورية المستجدة صارت أمراً واقعاً في حسابات الرياض، وبالتالي لا يمكن إدخال سوريا كورقة تفاوضية، بل على العكس، ربما استعادت سوريا بعضاً من موقعها في التفاوض على ملفات لا يزال لديها تأثير فيها.


ـ عدم قدرة السعودية على السير بأي مرشّح لرئاسة الجمهورية لاعتبارات تتعلّق بالحساسية المسيحية التي زادت بقوة مع تهجير المسيحيين من العراق وسوريا، خصوصاً أن «القوات اللبنانية» لم تستطع التعبير عن عمق تلك الحساسية، فضلاً عن أنها أخذت فرصتها كاملة بدعم سعودي. وبالتالي فإنه صار مسلّماً به أن الرئيس المقبل يفترض أن يمنح مسيحيي المنطقة تطمينات في لبنان.


ـ فشل محاولة الرياض إعطاء زخم كاف لترشيح قائد الجيش العماد جان قهوجي، خصوصاً بعد أحداث عرسال التي ساهمت في توجيه ضربة قوية لهذا الزخم. وثمة من يرى في هذا السياق أن الهدف المبطن من هجوم عرسال على الجيش كان إسقاط الخيار السعودي بترشيح العماد قهوجي، وأن ما حصل يندرج في إطار الصراع الخليجي بين السعودية وقطر، وأن إحدى خلفيات هبة المليار دولار تندرج في محاولة إعادة تعويم الخيار السعودي.


ـ عدم القدرة على تجاوز حالة العماد ميشال عون في انتخابات الرئاسة، وبالتالي تحوّل الرابية إلى معبر إلزامي في الطريق إلى بعبدا، فإما أن يخرج الرئيس المقبل منها أو أن يحصل على تأشيرة مرور يصدّق عليها العماد عون شخصياً.


كل ذلك يقود إلى الاستنتاج أن الرياض محكومة بتقديم تنازل في الملف الرئاسي لإيران وسوريا، ما يعني عملياً أن التوازنات التي تحكم اختيار الرئيس المقبل ستكون على الأرجح وفق المعادلة التالية:


تراجع السعودية خطوة إلى الوراء بالتخلّي عن دور المرشّح إلى لعب دور وفاقي في الرئاسة على أن تحظى بحق الفيتو على اسم المرشح. سوريا لديها دور في ترجيح كفة مرشّح على آخر وهي تتمتع بحق الفيتو. إيران تترك لـ«حزب الله» مساحة واسعة للتفاهم مع حليفه المسيحي العماد ميشال عون على اسم الرئيس، سواء كان العماد عون نفسه أو من يوافق على ترشيحه، خصوصاً أن في رصيد إيران «سلفة» يفترض أن تسدّدها السعودية في لبنان في حساب حلفاء طهران. الولايات المتحدة الأميركية تلعب دوراً في تدوير الزوايا بهدف الوصول إلى مرشح يحظى بموافقة كل الأطراف الإقليمية المعنية بالرئاسة.


هنا يبدو «حاجز الرابية» ماثلاً في عملية اختيار الرئيس المقبل.. وهنا أيضاً تكون لعبة عض الأصابع الداخلية قد بلغت ذروتها، والأرجح أن الصراخ سيصدر من أمكنة كثيرة.