بدأت قضية التمديد المحتمل لمجلس النواب تنافس كل الملفات السياسية والاجتماعية والأمنية المفتوحة على الغارب فوق المشهد الداخلي في لبنان بما يرشّحها لاحتلال الصدارة في المرحلة المقبلة، ما لم يطرأ اي جديد على آفاق أزمة الفراغ في رئاسة الجمهورية في وقت قريب.

 

ووسط استبعاد ايّ طارئ من شأنه ان ينتشل الأزمة الرئاسية من مراوحتها المستمرة منذ بدء “ولاية الفراغ” في 25 أيار الماضي، شكّل تسارُع اعلان عدد من القوى الرئيسية اللبنانية مواقف مبكّرة لها من التمديد للبرلمان سلباً او إيجاباً مؤشراً بارزاً الى ان هذا الاستحقاق قد فُتح بابه بقوّة بما يضمر في المقابل استبعاد اي تطور قريب يتعلق بالانتخابات الرئاسية. وهو الأمر الذي بدأ مع اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري تكراراً رفضه التمديد مرة جديدة للبرلمان ومن ثم مع اعلان زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري تأييده للتمديد اذا تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية قبل موعد انتهاء الولاية الممددة للبرلمان في 20 نوفمبر المقبل ومن ثم اعلان كل من العماد ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رفضهما ايضاً للتمديد.

 

وتقول أوساط نيابية قريبة من الكتل الوسطية ولا سيما منها كتلة النائب وليد جنبلاط لـ “الراي” ان مجمل المواقف التي تُعلن الآن تظهر بوضوح ان ثمة استبعاداً اولاً لإجراء الانتخابات الرئاسية وان عودة الرئيس الحريري الى بيروت الاسبوع الماضي والتي عاد فغادرها اول من امس الى جدة لم تحمل جديداً في شأن الأزمة الرئاسية تحديداً. وفي ظل هذا المعطى، فان فتح ملف التمديد لمجلس النواب صار أمراً يندرج ضمن الاولويات التي وُضعت على نار التمهيد المتدرّج، علماً ان الوقت لا يزال متاحاً للتوافقات الواسعة على هذا الملفّ كما تتوقع الاوساط في نهاية الامر.

 

وتعتقد الاوساط عيْنها ان هذا الملف وان فُتح مبكراً فانه ليس مقبلاً على حسم قريب، لان التمديد او عدمه لن يكون متاحاً قبل جلاء مجمل المشهد اللبناني في الشهرين المقبلين على الأقل، علماً ان المدّة المتبقية لولاية المجلس والتي تنتهي في نوفمبر المقبل تجعل من الممكن للبرلمان ان يمدد ولايته في “ربع الساعة الأخير” وذلك بعد الاتفاق على مدة التمديد.

 

وتشير الاوساط الى ان التمديد فتح في الواقع معركة الأثمان السياسية والحسابات المتشابكة لا سيما على المستوى المسيحي كما على مسارب اخرى مثل تعطيل الجلسات التشريعية للبرلمان. وثمة تمايزات واسعة بين الفئات التي سارعت الى رفض التمديد لدوافع مختلفة. فالرئيس بري كان مبادراً الى هذا الرفض لانه يريد فرض شروط غير معلنة بعد لتمرير التمديد في النهاية وبينها تسليم فريق 14 آذار بعقد جلسات تشريعية للبرلمان وإقرار سلسلة الرتب والرواتب بما يُظهِر ذلك مكسباً كبيراً للفريق الشيعي.

 

ولكن هذه الاوساط تتحدّث عن توجّس آخر من موقف بري يتصل بـ “حزب الله” وما اذا كان يدفع نحو فراغ مجلسي يتمّم الفراغ الرئاسي وصولاً الى فرض ما يسمى المؤتمر التأسيسي الذي ينقض اتفاق الطائف.

 

اما حسابات الأطراف المسيحيين فتختلف تماماً وتتصل خصوصاً بالتنافس الحاد بين فريقيْ العماد عون والدكتور جعجع على الشارع المسيحي عقب معركة منهكة في الأزمة الرئاسية التي تدور على نفسها.

 

وتعتقد الاوساط النيابية نفسها ان هذا التنافس المسيحي سيستعيد فصولاً شبيهة تماماً لفصول أدّت في المرحلة السابقة الى التمديد الاول للمجلس اواخر أيار 2013 رغم ان ثمة عاملاً جديداً يحْضر الآن وهو ان في قدرة اي فريق ممثل في الحكومة ان يعطّل قرار التمديد. ذلك انه مع احتمال ان يحظى التمديد بأكثرية تمريره في البرلمان يبقى ان القرار يجب ان توافق عليه الحكومة مجتمعة كونها تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة وهو الامر الذي يوجب توقيع جميع الوزراء على القرار. وتبعاً لذلك فان الامر يكتسب غموضاً واسعاً بما يحمل الاوساط على توقع مرحلة تجاذبات كبيرة وحادة قبل الوصول الى لحظة الحسم سلباً او إيجاباً.