الجميع ينتظر ما وراء عودة الرئيس سعد الحريري، وهل ثمة صفقة عاد من ضمنها، أشمل من حمل مليار دولار لدعم الجيش والقوى الامنية، والتبرع لعرسال بخمسة عشر مليون دولار صفقة تستنبت رئيساً للجمهورية وتتضمن التمديد لمجلس النواب، والمجيء بحكومة جديدة يرئسها الحريري تحت شعار الوحدة الوطنية؟
الشيء الأكيد الباقي هو الانقلاب على الحريري، والذي ولّد احتقاناً وتطرفاً. ولمن لا يهوون هذه النظرية، ان ذلك العزل أوجد ذريعة للتطرف، الذي زاد ايضاً مع دخول اطراف في حروب الآخرين على ارض الآخرين وفي الداخل اللبناني، والذي كان ثمنه قوافل من الشهداء. وأكثر من ذلك أدى الانقسام الوطني الى جعل الجيش ينغمس في معارك عشوائية كلفتنا الكثير.
من كان بالامس يهاجم الحريري، يستقبله اليوم مرحباً، ربما لحسابات رئاسية أو ربما لأن الاعتدال السني الذي رفع الحريري لواءه أصبح خشبة الخلاص الوحيدة للبنان من "النصرة" و"داعش" والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة!
الحريري عاد، نعم، ولكن مخطىء من يعتقد انه يحمل في جيبه وصفة سحرية لحل الأزمات الوطنية المتراكمة، لأن المعضلة الكبرى في لبنان تكمن في عدم اتفاق قياداته على خريطة لمستقبل هذا الوطن المنقسم على ذاته. المعضلات كبيرة، والحلول باتت ضرورية، لكن الكثير من الحسابات والأدوار تبدل، وحصلت تغيرات وانقلابات في محيطنا العربي، وتحركت مفاوضات اميركية - إيرانية، يرى خبراء انها قد تفضي الى تحالف، أو في الأقل تعاون بين واشنطن وطهران لمحاربة التطرف والإرهاب.
والسؤال حالياَ، هل تختار الولايات المتحدة اليوم عدوها الإيراني لكي تسلمه بعض ملفات منطقة الشرق الأوسط، في مقابل خدمات قد يؤديها لها في الحرب على التطرف والإرهاب ومواجهة المدّ "الداعشي" في العراق وسوريا، وصولاً الى لبنان؟
وكيف يمكن صياغة مثل هذا الاتفاق المعقد بوجود حزب هو بمثابة العدو لأميركا؟
لكن المعادلة الجديدة أيضاً تطرح تساؤلات عن حقوق المسيحيين في هذا الشرق، ومنهم مسيحيو لبنان، هل تضمن الاتفاقات، أمنهم ومستقبلهم أم أنهم صاروا خارج اهتمامات المفاوضين الكبار؟
من هنا يبدو ظالماً تحميل عودة الحريري أكثر وأثقل مما تحتمل، لكن اذا كانت الامور الكبيرة مسلمة للخارج فهل بامكان الداخل محاولة ايجاد الحلول لبعض الملفات العالقة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية كاللجوء السوري الثقيل على أرض لبنان، وصولاً الى سلسلة الرتب والرواتب وإضراب هيئة التنسيق، ومياومي الكهرباء... او انهم ايضاً في هذه الامور سلموا انفسهم الى الخارج؟