يُذهِل رئيس مجلس النواب زواره حين يجزم أمامهم أن التمديد غير وارد. هو وهُم يعرفون، وواثقون، بأن التمديد وارد بقوة، لا بل حتميّ، وها هو وزير الداخلية نهاد المشنوق يبشّر به من البوابة الأمنية، والنائب وليد جنبلاط يقولها على طريقته، وبطريقه، يؤنّب المعرقلين على فعلتهم.

يكفي معاينة بعض المناطق المصنّفة ساخنة انتخابيا، حتى ندرك أن الانتخابات الواجب حصولها قبل 20 تشرين الثاني، تاريخ نهاية ولاية مجلس النواب الممدّد له، تبدو في "خبر كان".

مرشّحون لم يذوقوا طعم النيابة بعد يدفعهم الاحباط الى الاكتفاء ببعض النشاطات التي تذكّر الناخبين بوجودهم فقط، ونواب سابقون يدركون أكثر من غيرهم أن زمن استعادة اللوحة الزرقاء لم يحن بعد. أما نواب المجلس الحالي، بغالبيتهم الساحقة، فيدبكون "الهوّارة". الجمهورية التي لم تنجب رئيساً، كيف لها أن «تَحمل» بمجلس كامل من 128 نائبا؟!

الجميع من دون استثناء يدرك الأسباب الموجبة لكلام رئيس مجلس النواب. حين يحصل أبغض الحلال، لا يريد أن يكون بري في عين عاصفة اتهامه بأنه صانع التمديد، "فليفعلها غيري، وليس أنا".

أجواء عين التينة لا توحي بإمكانية قلب الطاولة لمواجهة التمديد، بمعنى رفض السير بهذا الخيار الى حين نهاية ولاية مجلس النواب، فيحلّ الشغور في الرئاسة الثانية بعد الرئاسة الأولى. حاليا، ينحصر الاهتمام بعقدتين: تحديد مدّة التمديد للمجلس، والإخراج.

عمليا، لم يدخل الرئيس سعد الحريري مجدّدا الى بيت الوسط بقوة دفع كافية لفتح الصناديق في موعدها. انتعشت حظوظ تسليح الجيش بقدرة قادر، انتخب مفت جديد للجمهورية بعصا التسوية العابرة للعواصم، ضبّ المحرّضون ألسنتهم وأسلحتهم والتحقوا فورا بـ"قائد محور الاعتدال"، صافح سعد الحريري نجيب ميقاتي، وبرّأ "حزب الله" من أي مشاركة في معارك عرسال... لكن هذا شيء، والتمديد الزاحف شيء آخر.

حين يكون الجميع في دائرة الخطر، يصبح "الاعتماد" النيابي المفتوح هدية من "داعش" وأخواتها. سيقرّ الجميع لاحقاً، وتحت ضغط الأخبار الاتية من الحدود، وما وراء الحدود، ومن الداخل، بأن بقاء الطقم النيابي العاجز عن فعل شيء، هو حاجة وطنية، وسط استسلام السلطة المبكر عن مواجهة هذا الاستحقاق، أو أقلّه رفض حتى المحاولة.

جلبت عودة الرئيس الحريري معها بعض الانفراجات، لكن ليس الى حدّ تخيّل البعض بأن جلسة اليوم، أو التي ستليها، ستكون جلسة انتخاب الرئيس، ثم ولادة حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات في موعدها! بالتأكيد، لم تأت هذه العودة تحت سقف تفاهمات اقليمية تفضي الى حلّ شامل. كل ما في الأمر، وبدلا من أن يتفرّج الحريري على الشغور الرئاسي، وحفلة التمديد لمجلس النواب من الرياض، سيفعلها من بيت الوسط.

لأسباب أمنية، لم يكشف الحريري عن قراره بالمشاركة أو عدم المشاركة في جلسة اليوم، لكن المقرّبين منه يقولون بأن "الشيخ" يرغب فعلا أن يحضر كي يؤكد مدى إصراره على انتخاب رئيس للجمهورية فورا.
ضمن سيناريو العودة وجّهت الأنظار سريعاً الى "حزب الله". هل كان يعلم أو لا؟ هل كان شريكاً في حياكة قطبة سحب الوهج من الرئيس تمام سلام؟

من تسنّى له التواصل شخصياً مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، بعد ظهور الحريري فجأة في السرايا، وسؤاله عما أشيع عن تسوية حملت "الشيخ" الى بيروت قوامها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش، بعلم "حزب الله"، تيقّن بأن نصرالله ليس في هذه الاجواء تماما.

ربما، يفسّر هذا الأمر، ماذا يعني اجتياح الحريري للساحة الداخلية في اللحظة الأمنية الأكثر خطورة على البلد منذ اندلاع الأزمة في سوريا، من دون التنسيق مع "حزب الله". الترجمة الفورية لهذه المعادلة تعني ان لا تسوية ولا رزمة حلول، ما دام نصرالله خارجها. صدر الأمر السعودي وهكذا كان.

واستطرادا، يجدر التوقّف عند مغزى أن يعود الحريري من دون ضمانات أمنية. هذا الواقع يُسقط حجّة خصوم الحزب على مدى أكثر من ثلاث سنوات التي قامت على أساس المعطى الأمني، كعائق.

كان لافتا جدا عدم صدور أي موقف من جانب قيادات المقاومة حتى الآن. الموقف كان في اللاموقف. بالتأكيد هذه رسالة بحدّ ذاتها، لا يمكن فصلها عمّا أشيع سابقا، قبل عودة الحريري بأسابيع، عن مسعى جدّي يعمل عليه الرئيس نبيه بري وشخصية أمنية رفيعة بغية تقريب وجهات النظر بين "تيار المستقبل" و"حزب الله".

ثمّة حذر واضح لدى فريق "8 آذار" في التعاطي مع سيناريو العودة، وإن كانت الأكثرية تجمع على انها عودة ضرورية من باب تخفيف الشحن المذهبي وترييح الساحة الداخلية، إلا أنها تربط هذا الاستنتاج بأداء الرئيس الحريري في الأيام المقبلة، ومدى انفتاحه وتعاونه وإبرازه الفرق الوطني بين الغياب والحضور.