بغض النظر عن الاسباب والدوافع التي ادت الى زج القوى الامنية اللبنانية وتوريطها في هذه المعارك الدامية والعنيفة التي يخوضها الجيش اللبناني في بلدة عرسال وجرودها ضد جماعات ارهابية وتكفيرية قادمة من خارج الحدود الشرقية واستوطن الالاف منها في مخيمات اعدت للنازحين السوريين تحت علم الامم المتحدة وانشئت بدون دراسة وتفتقد الى الحد الادنى من المراقبة الامنية داخل البلدة وفي محيطها . فإن تداعيات ما يجري قد يؤدي الى مخاطر كبيرة تهدد البلد في امنه واستقراره وقد تصل الى حد ضياع الكيان اللبناني بين براثن المشاريع الاقليمية والدولية المتداخلة في المنطقة العربية .

والخطورة هنا لا تكمن فقط في استمرار اكبر طائفتين في البلد (السنّة – الشيعة) الى حروب شرسة قد نعرف بدايتها ولكن لا نعرف نهايتها وما يترتب عليها من مآسي وتشريد ودمار وبالتالي فإن الخطورة لا تقف عند حدود تحويل المؤسسة العسكرية (الجيش) وهو المؤسسة الشرعية الوحيدة المتبقية والضامنة لأمن البلد واستقراره الى فريق في صراع طويل قد يستنزف المزيد من قوته وقدراته القتالية على المستوى البشري لجهة سقوط العديد من افراده وعناصره خلال المواجهات او على مستوى منظومته العسكرية واللوجستية التي قد تؤدي الى اضعافه وعجزه عن القيام بوظيفته الامنية في البلد , آخر معقل من معاقل المؤسسات الشرعية .

فالمخاطر الكبيرة التي نبّه منها بعض المراجع السياسية والحزبية وتكمن في ادخال البلد في لعبة كبرى هي لعبة الامم حيث يتحول فيها الصغار – دولاً كانوا ام قوى حزبية ام جماعات – الى ادوات صغيرة بيد الدول الكبرى خدمة لمشاريعهم القائمة على الهيمنة والاستغلال ومصادرة حرية الشعوب في اتخاذ قراراتها وتقرير مصيرها .

فأحداث عرسال المتوالدة مما جرى ويجري في القرى والبلدات السورية واللبنانية الرابضة على سفوح السلسلة الشرقية والتي تشكل الحدود الفاصلة بين الدولتين السورية واللبنانية من معارك طاحنة بين مجموعات ارهابية تحمل افكاراً تكفيرية ومتطرفة تحت عناوين وشعارات دينية , وهي بالحقيقة لا تمت الى الدين بصلة من جهة وطرف لبناني يصادر قرار الدولة اللبنانية , ويتولى منفرداً حق الدفاع عن حدود البلد دونما الرجوع الى مؤسسات الدولة الشرعية لأتخاذ القرار المناسب . فهذه الاحداث لا يمكن فصلها عن النيران المشتعلة والملتهبة في غير مكان من منطقة الشرق الاوسط سواء في العراق او سوريا او اليمن وصولاً الى غزة .

فالمشهد السياسي والتطورات الميدانية العسكرية تتطلب وقبل اي شيء آخر التوافق بين كافة القوى السياسية والحزبية اللبنانية على تجاوز الاختلافات البسيطة وانجاز الملفات الخلافية والتكامل بين الجيش والشعب لتحصين حدود البلد وتشكيل سداً منيعاً في وجه الاعاصير التي تعصف بالمنطقة وتجنيبه اية مخاطر لا يقوى على تحملها ومنع الشرر المتطاير من النيران الملتهبة في المنطقة من الوصول اليه . واول بوادر هذا التوافق يبدأ بالعودة الى اتفاق بعبدا الذي ينص على النأي بالبلد عن الحرائق الملتهبة من حولنا , والسعي الجاد لإنتخاب رئيس للجمهورية لإبعاد شبح الفراغ الرئاسي .