يحتل الوضع الأمني في البلاد أولوية قصوى لدى الحكومة اللبنانية نظراً لخطورة العدوان على الجيش اللبناني في منطقة عرسال من جانب الإرهابيين والمتطرّفين الذين استقدموا تعزيزات إلى المنطقة. وعلى الرغم من الوساطات والمساعي لوقف العدوان وانسحاب المسلحين، فإنّ الخطورة تبقى مستمرة، لا سيما وأنّ المسألة تحمل بُعدين، الأول متّصل بأداء جماعات من النازحين السوريين، والثاني متّصل بالتطرّف وأداء “داعش” حيال لبنان، لكن في أحد أوجههما لا ينفصل هذان البُعدان عن بعضهما بعضاً.

 

مصادر ديبلوماسية استبعدت أن يقوم المجتمع الدولي بمساعدة لبنان، أو الجيش اللبناني تحديداً، على مكافحة العدوان عليه، أو إعطائه سلاحاً وذخيرة تمكّنه من ذلك فوراً. المسؤولون اللبنانيون يناشدون المجتمع الدولي لفعل ذلك، إنّما المجتمع الدولي الذي أوصى لبنان باستقبال كل مَن يلجأ من السوريين إلى أرضه لن يتدخّل في معالجة التداعيات الأمنية لوجود جزء من هؤلاء على أراضيه.

 

وكثرة التدفّق السوري إلى لبنان هي التي حذّر منها العديد من المسؤولين منذ البداية، لا سيما التحذير من إقامة مخيّمات لهم، قد يتحوّل بعضها، أو أجزاء منها إلى قواعد عسكرية، خصوصاً وأنّ ليس هناك من رقابة لضبط تحركاتهم. الموضوع ليس سهلاً، ولا هي مسألة عواطف على حد قول المصادر، إنّما الموضوع يؤثّر على الأمن القومي اللبناني، وهو بدأ يؤثّر بالفعل. وزارة الخارجية حذّرت من تداعيات المسألة، لكن الاعتبارات الداخلية السياسية، بقيت تتحكّم باللعبة، ولم يحصل أي تحرّك جدّي لدرء مخاطر الوجود السوري قسراً في لبنان. ووضعت الوزارة خطّة ومقترحات، في مقدّمها، معالجة موضوع هؤلاء من دون إنشاء مخيّمات وضرورة وجود مراقبة عليهم. في عرسال يوجد مخيم يحوي نحو مئة ألف سوري، هذا في منطقة واحدة. وفي ظل انعدام وجود مراقبة عليه من الدولة، وفي ظلّ قدرة بعض ساكنيه على نقل السلاح واقتنائه، تمكّنوا من تهديد الجيش وقوى الأمن، ومن محاولة السيطرة على المنطقة، إلى جانب عناصر “داعش” و”جبهة النصرة” التي دخلت من الطرق غير الشرعية في جرود عرسال. وأي عدد من المخيمات يُقام، حسب ما يتبلّغه لبنان من الدول في هذا الاطار، يعني أنّ الأمر يساوي إقامة عدد من القواعد العسكرية للتطرّف، لأنّ العديد من النازحين متطرّفون، أو يشكّلون بيئة حاضنة للتطرّف ولتنظيم “داعش”. لبنان أجاب الدول حول المخيّمات بالقول إنّ هؤلاء يجب أن يعودوا إلى ديارهم. ردّت الدول بأنّ عودتهم تهدّد أمنهم، فأجابها لبنان انّ أمنهم مهدّد في لبنان، فإذا تمكّنوا من العودة إلى مناطق أمنية مستقرة مع وجود ضمانات لهم فهذا جيد، ويمكن للأمم المتحدة أن تتواصل مع الحكومة السورية في هذا المجال، وهي التي تتواصل معها حول العديد من المسائل، في مقدّمها توزيع المساعدات الإنسانية، وإزالة السلاح الكيماوي، وبالتالي، يمكن للأمم المتحدة التفاوض مع الحكومة السورية حول عودة أبنائها إلى البلاد.

 

في كل منطقة لبنانية تستقبل سوريين، هناك تهديد أمني قوي، في حال وجود مجموعات مسلحة بينهم، وإذا جاءت اليوم مجموعات مسلحة في مناطق لبنانية وتعاطفت مع المسلحين في عرسال أو قامت بأعمال أمنية في مناطق أخرى، فماذا سيكون عليه الحال؟ وماذا عن وجود “طابور خامس” يمكن أن يستغل الوضع لإثارة البلبلة والشرخ بين اللبنانيين والنازحين؟!

 

حالياً المشكلة وقعت، ما هو العلاج؟ الحكومة، وفقاً للمصادر، دعمت الجيش بالكامل وأعطته الغطاء للقيام بواجبه. فضلاً عن ذلك، يفترض طلب المساعدة للجيش من عتاد وذخيرة. الوضع يحتاج إلى دعم للجيش الآن وليس على المدى البعيد: السلاح لدى هؤلاء المسلحين بدأ يقاتل سلاح الجيش. من هنا أهمية تنفيذ الهبة السعودية للجيش. الجانبان اللبناني والفرنسي وصلا إلى مرحلة متقدّمة في العمل لتنفيذ الهبة. لكن التنفيذ لا يزال يحتاج إلى وقت. المؤتمر الدولي لدعم الجيش الذي انعقد في ايطاليا في حزيران الماضي لم يقرّ مساعدات محدّدة. فقط التسليح للجيش في اطار الهبة السعودية هو الأهم.

 

في العديد من المجالات يحتاج الجيش إلى دعم، وبتسليحه الحالي لا يستطيع تغطية كل المناطق إن جرى على غرار ما يجري في عرسال من اعتداء للإرهابيين والمسلحين، في ظل هذا الوضع، ما يؤدي إلى إنهاك الجيش وإلهائه بمثل هذه الأحداث، لا سيما إذا اضطر إلى صدّ العدوان في مناطق أخرى بالتزامن. التنظيمات المتطرّفة والمسلحين و”داعش” استندت كلها على بيئة حاضنة هي فئة من النازحين، حيث اختبأوا بينها. وإذا لجأ الجيش إلى قصف النازحين سترتفع الأصوات الدولية ضدّ استهدافهم، فضلاً عن أنّ لبنان لا يريد استهداف مَن ليس له علاقة بالاعتداءات والسلاح من بينهم.

 

منذ مدّة والجيش يعزّز تمركزه على الحدود الشرقية الشمالية بسبب تمركز مسلحين وإرهابيين بكثافة في تلك المناطق. ومنذ مدّة لدى الدولة معلومات أمنية حول خوف من انفجار الوضع هناك.