«الهلال الإيراني»، لن يكتمل. ضرب في وسطه، وربما في «قلبه». المشروع الإيراني، في تمدّد النفوذ الإيراني، من أفغانستان الى شاطئ البحر الأبيض المتوسط على الحدود مع تركيا، كاد أن ينجز هذا المشروع الحلم.

من حق إيران أن يكون لديها مشروع، يجعل منها قوة كبيرة، شريكة في صناعة القرارات المتعلّقة بالمنطقة الممتدة على طول «الهلال» الذي رسمته، لكن ليس من حقّها مطلقاً أن تلغي الآخر، خصوصاً إذا كان جزءاً جغرافياً وتاريخياً من المنطقة. الأسوأ أن يكون تنفيذ مشروعها، على حساب وجود من يجب أن يكون شريكاً لها في صناعة القرار، وفي تحقيق حلم أكبر وهو التحرر من نفوذ القوى العظمى خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.

الأسوأ اعتقاد إيران أنها قادرة على مقارعة الولايات المتحدة الأميركية. الأرجح أن طهران اعتقدت أن الرئيس باراك أوباما، رئيس فاشل، وضعيف، وغير قادر على قيادة بلاده فكيف بالعالم؟

باراك أوباما، سيدخل التاريخ، لأنه «أخبث» رئيس أميركي، ولأنه اعتمد سياسة «التدخل السلبي»، عكس سياسة كل الرؤساء الـ43 الذين سبقوه وهي «التدخل الإيجابي»، بالحرب والحصار. عماد إستراتيجية «التدخّل السلبي»، إغراق أي خصم في وحول الصدامات والمواجهات من دون حساب لخسائره، شرط أن تكون الكلفة الأميركية المادية والبشرية صفراً.

إيران سقطت في «الفخ الأوبامي» بطريقة مأسوية. اعتقد المرشد آية الله علي خامنئي، أن قوته بالإكثار من «الملفات»، ليستثمرها في المفاوضات مع واشنطن، ويأخذ منها التنازل بعد التنازل، تماماً كما في لعبة الدومينو، وليكون التنازل الأكبر في الملف النووي.

«الإدارة الأوبامية»، أرادت إيران قوية شرط أن تكون معها ولها عاجلاً أم آجلاً. تركت إيران تتابع «لحس» المبرد في سوريا، فخسرت مالياً في وقت تعاني فيه من ضائقة مالية حادة، وأيديولوجياً عندما دفعت «حزب الله»، الذي بنى مجده في الحرب ضد إسرائيل، للتحول إلى «بندقية» تعمّق الأحقاد المذهبية في مسار متدرج ومكلف من سوريا إلى العراق.

خسارة «حزب الله» ضخمة جداً معنوياً وسياسياً. في مثل هذه الأيام من العام 2006 كان الحزب يقاتل إسرائيل، ويحقّق أسطورة في الصمود والشجاعة. فماذا عن الآن حيث يتساقط المقاتلون في القلمون وفي العراق؟ من أجل أن يبقى الأسد والمالكي العاملان في «المشروع الإيراني»، باسم شعارات مذهبية أحدثت زلازل انقلابية لدى السنة من المحيط إلى الخليج، من ارتداداتها صعود «داعش» الظلامية والمتوحّشة. مهما قيل عمن يقف وراء ولادة «داعش»، فإن المذهبية وممارساتها غزت وأفسدت في الوقت نفسه الشرائح الشيعية التي تعيش حالياً حالة «داعشية» عكسية باسم الدفاع الوجودي.

المالكي، لن يبقى إلا كما الأسد فوق حطام العراق وسوريا. في النهاية ستكون التسوية. على حسابهما. عندما يقع التناقض بين مصالح إيران وبقاء الأسد والمالكي. إيران ستختار حكماً مصالحها.

أما غزة، التي يسجّل أهلها الغزاويون، أعلى درجات البطولة والصمود والشجاعة، من حقهم أن يستردوا حريتهم والعيش بكرامة.

هذه الحرب، يجب الاعتراف بكل شجاعة، حولت الغزاويين الى «كيس ملاكمة بشري» مطلوب فيها أن يتعب الملاكم ليتوقّف عن القتل.

أما أوباما، فإنه ترك نتنياهو يغرق في رمال غزة والرأي العام الدولي، حتى تزداد حاجته له، فيطلب منه الحل بعد أن تمنع على وزير الخارجية كيري رغم جولاته المكوكية.

أسوأ ما في حرب الإبادة التي يعيشها الغزاويون، حالة «الكوما» العربية، وفي مقدمها الضفة الغربية، مأسوية. سكون «أهل الكهف» يلف العرب. ربما لأنهم منهمكون من زلازل «الربيع العربي». لكن أيضاً لأنهم لم يعودوا يصدّقون شعارات التحرير.

إيران خسرت معركة غزة، لأنها غير قادرة على نجدتها. عندما يتم الاتفاق بين غزة وإسرائيل تحت رعاية مصرية، يكون الوقت قد تأخّر على الانخراط الإيراني. وعندما يلقي جنرال مثل الجنرال قاسم سليماني خطاباً في دعم غزة عماده «أن الغضب سيصب جامه على رؤوس الصهاينة في الوقت المناسب». وألا يجد جنرال «فيلق القدس» الذي تعرف الميادين في سوريا والعراق واليمن ولبنان قدراته وبأسه سوى طلب «لعنة الله على كل ظالم»، فمعنى ذلك أنه إشهار عسكري بخسارة المعركة.

لم يبق أمام إيران، سوى أن تتواضع قيادتها وتفتح الباب أمام إنجاز مصالحة تاريخية أولاً مع العرب لمواجهة المذهبية وتطرفها، وبعد ذلك بزمن بعيد، إلى أن يستعيد العرب قوتهم تكون المواجهة مع اسرائيل، لأن هزيمة إسرائيل لا تكون بالصلوات، والجنرال سليماني يعرف أكثر من الجميع هذا الواقع.