تحاول قيادة جيش العدو فرض تعتيمٍ شديدٍ على ما يحدث على جبهات القتال، فلا تسمح لأي جهةٍ إعلامية بأن تنشر أخبار الجنود، وحالهم النفسية، وما يدور بينهم من حوارات، أو كشف مراسلاتهم الشخصية مع أهلهم، كما ترفض الكشف عن حقيقة الخسائر التي مني بها الجيش، خاصةً لجهة عدد القتلى والمصابين وحالتهم النفسية، ورتبهم العسكرية ومهامهم القتالية، والقطاعات التي كانوا يقاتلون فيها.

وهي تمارس رقابةً شديدة على مختلف وسائل الإعلام لديها، لمنع تسرب أي خبر، أو تأكيد أي معلومة إلا من خلال المؤسسة العسكرية، أو بعد الموافقة الرسمية على نشرها والإعلان عنها، ولهذا فهي تتعمد سحب الهواتف النقالة من الجنود، في الوقت الذي تعاقب فيه من يتسبب في تسريب معلوماتٍ أو اشاعتها.

هذه الرقابة الشديدة تفسر تأخير الإعلان الرسمي عن الخسائر التي يتكبدها الجيش، وتفسر الفارق الزمني بين إعلان المقاومة عن عملياتها العسكرية ونتائجها وأثرها في صفوف العدو، وبين اعتراف العدو نفسه، الذي يتريث ويتأخر، ويحاول النفي والتكذيب، ولكنه يضطر في نهاية الأمر أن يعترف عما لا يمكنه إنكاره طويلاً، أو نفيه أكثر من ذلك، تماماً كما حدث مع خبر أسر الجندي شاؤول آرون، فقد نفى المتحدثون باسم جيش العدو خبر أسره، بل إنهم تكتموا غيابه، إلى أن اضطروا متأخرين إلى الإعلان عن عدم وجوده، مع ترجيح أن يكون قد قتل، وإن كانت جثته غير موجودة.

مما لا شك فيه أن العدو الإسرائيلي قد تكبد خسائر حقيقية على أرض المعركة، وأن هذه الخسائر موجعة جداً، وتؤثر في نفسية جنوده وروحهم المعنوية، كما تؤثر كثيراً في الرأي العام المعارض والمؤيد للحرب على غزة، ولكن حقيقة هذه الخسائر ما زالت مجهولة، ولا يعرفها غير قلة من المسؤولين، الذين يحاولون إخفاء الحقيقة، والتقليل من حجم الخسائر، رغم اعترافهم بسخونة الجبهات، وشدة القتال، وبسالة المقاومة، ودقة استعداداتها، وشمولية تغطيتها للجبهات، وجهوزيتها العالية، وانتشارها الواسع، وحداثة أسلحتها، وكثافة نيرانها، وتكتيكاتها الخطيرة، ومع ذلك فإنهم يتعمدون تغطية خسائرهم، خوفاً من انقلاب الرأي العام، أو انتكاس الروح المعنوية للجنود.

في الوقت نفسه فإن المقاومة الفلسطينية على اختلاف فصائلها وكتائبها، تؤكد عبر بياناتٍ رسمية موثقة، ومعززة أحياناً بصورٍ، أن عملياتها العسكرية قد أوقعت خسائر حقيقية في صفوف جيش العدو، وأنهم تمكنوا في كثيرٍ منها، وخلال عمليات الاشتباك من نقطة الصفر، بما لا يدع مجالاً للشك عندهم، من قتل جنودٍ وضباطٍ إسرائيليين، في عمليات هجوم أو مباغتة، أو تفجير وقنص، أو تسلل وقتال خلف خطوط النار، كما أنهم قد غنموا العديد من الأسلحة الشخصية والفردية للجنود القتلى، ورشاشات الدبابات المفجرة.

لا شك أن هناك فرقٌ واضحٌ بين البيانات والأعداد الصادرة عن قيادة جيش العدو، التي تتعمد التقليل والتهوين، والتخفيف والتلطيف، وبين بيانات واحصائيات كتائب المقاومة الفلسطينية، التي تسجل وتوثق، وتتابع وتصور، ولكنها قد تقع أحياناً في حمى التهويل والتضخيم، فلا تكون بياناتها دقيقة، ولا تكون نتائج عملياتها صحيحة كلياً، حيث تخضع لمشاعر الحماس، والإثارة والتشجيع، وتتبع الحرب النفسية.

إلا أن الوقائع المتكررة أثبتت أن بيانات المقاومة الفلسطينية أكثر دقةً من بيانات جيش العدو، وأن النتائج التي يعلن عنها إثر أي عمليةٍ عسكرية، تكاد تكون متطابقة كلياً مع الحقيقة، رغم صعوبة التأكد من النتائج على أرض المعركة، بسبب كثافة النيران، ومحاولات العدو إغراق مناطق العمليات والاشتباك بالنيران، ليتمكن من فتح ثغرة لجنوده للانسحاب، أو ليتمكن من سحب الجرحى وإخلاء القتلى، ومع ذلك فإن المقاومة تحاول أن تكون دقيقة ما استطاعت، وترفض أن تنقل خبراً مشكوكاً فيه، أو غير مؤكدٍ لديها، حيث أنها تعزز بياناتها العسكرية في أغلب الأحيان بصورٍ ووثائق من أرض المعركة، فتقطع بها الشك باليقين، بصدقية ونزاهة.

الشارع الإسرائيلي يتطلع بقلقٍ شديد لمعرفة أخبار ما يجري على أرض المعركة، في ظل التعتيم الشديد الذي تتبعه قيادة الجيش، وكثيرٌ منهم يريد أن يطمئن على أولادهم، إذ يدركون أن وضع الجنود خطرٌ في الميدان، وأن حالتهم النفسية ضعيفة، وثقتهم بأنفسهم مهزوزة، والمقاومة قوية، وتحيط بهم من كل مكانٍ، ولهذا فهو يبحث عن أي أخبارٍ يرى أنها تعكس الواقع وتقول الحقيقة، وهو ما وجده فعلاً في بيانات المقاومة، التي تذكر كل التفاصيل بجرأةٍ وشجاعة، ومصداقيةٍ عالية، بلا خوفٍ ولا تردد.

شهد كثيرٌ من الإعلاميين الإسرائيليين على صدقية بيانات المقاومة، وأنها إذا قالت صدقت، وإذا وعدت أوفت، وأنها لا تكذب في بياناتها، ولا تتأخر في وعودها، وأنها صادقة مع شعبها إذا خسرت، ولا تخفي عنه حقيقة ما تواجه، في الوقت الذي أخذ فيه الإسرائيليون يكذبون قيادة جيشهم، ولا يثقون في تصريحات وزرائهم ورئيس حكومتهم، الذين يحاولون تجميل الحقيقة، وتزوير الواقع، ليتخلصوا من ضغط الشارع ومحاسبته، وليحولوا دون انهيار الروح المعنوية لجنودهم وضباطهم.

الحقيقة أن خسائر العدو الصهيوني ضعف ما يعلن، وأكثر بالضعف مما يعترف به، فإن كان قد اعترف حتى اليوم الحادي والعشرين للعدوان بمقتل 43 ضابطاً وجندياً، فإن المقاومة تؤكد أن قتلى جيش العدو قد ناهزوا السبعين قتيلاً، غير الذين قتلوا في المدن والبلدات الإسرائيلية نتيجة القصف الصاروخي، أو بسبب الهلع والخوف والذعر الذي أصابهم، وأن عدد الجرحى تجاوز المئات، ومنهم حالات حرجة جداً، وفق بيانات المقاومة الواقعية الصادقة، وهي بالتأكيد أصدق من بيانات العدو الخائف القلق، المضطرب الجزع، والمعروف أصلاً بالكذب وعدم الصدق.