فكما كان متوقعاً شاهد شوارع طهران وأغلبية المدن الإيرانية حشود المواطنين المتدفقين بمناسبة يوم القدس العالمي، ووفق المراسلين، كانت تشهد مظاهرات الأمس، تزايداً في حجم المشاركة الشعبية. ورغم أن كافة التيارات السياسية في إيران ومن بينهم الإصلاحيون، أعربوا عن تعاطفهم مع الفلسطينيين وشاركوا في المظاهرات، إلا أنه كان ملحوظاً خلال التصريحات التي أدلى بها أكثر من واحد من المحافظين المتشددين، أن هناك متاجرة واضحة وفاضحة لدماء الأبرياء في غزة، من أجل مكاسب داخلية ودولية. ويبدو أن المحافظين المتشددين، يرون في المجازر التي يرتكبها الصهاينة في غزة، نعمة غير مترقبة للتعويض عن خسائرهم المخزية في الداخل والخارج. أما داخلياً إنهم ركبوا سفينة الرئيس أحمدي نجاد وتماهوا معه خلال ولايتيه وهم مشاركون في جميع الكوارث التي أعقبها أحمدي نجاد، وتلقوا صفعة الشعب في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي أثبتت بأن الإصلاحيين هم الذين يتمتعون بأغلبية الشعبية رغم سنوات التهميش والقمع الثمان وأن المحافظين رغم استغلالهم ومصادرتهم لموارد النظام، لم يعد لهم شعبية واسعة. وأما خارجياً فيكفي أن نلاحظ إلى حجم التكاليف التي فرضت على الشعب من خلال دعم نظام بشار الأسد والمالكي وغيرهما، بينما البلد يعاني العقوبات الدولية المدمرة. ففي هذه الأجواء لا يعني الهجوم الإجرامي الذي شنه الكيان الصهيوني على غزة، شيئاً بالنسبة للمحافظين المتشددين، لأنه توفر فرصة لهم وللحرس الثوري والمرشد الأعلى، لأن يتهموا منافسيهم الإصلاحيين، في الداخل بالخيانة، حيث ان عدداً منهم رفعوا خلال الإحتجاجات الشعبية الواسعة عقيب الإنتخابات عام 2009 شعار " لا لغزة ولا للبنان، فكلنا فداء لإيران". ورغم اعلان قادة الإصلاحيين، براءتهم من هذا الشعار، وأعربوا عن تعاطفهم مع القضية الفلسطينية، إلا أن هناك رغبة واضحة من قبل الجهات الثلاث لتعميم هذا الشعار على جميع الإصلاحيين وثم تخوينهم بسبب رفع هذا الشعار، رغم مضي خمسة أعوام من إطلاقها خلال عدد من المظاهرات ومن قبل القليل من المتظاهرين. هذا وساهم الإصلاحيون في دعم المقاومة، أكثر بكثير من المحافظين، حيث أن الوجوه الأبرز في إيران في مجال دعم المقاومة، هم من الإصلاحيين وليس من المحافظين وعلى سبيل المثال علي أكبر محتشمي العقل المدبر لتأسيس حزب الله هو من كبار الأصلاحيين. وبينما كان المتوقع أن يتحول مسيرات يوم القدس في إيران إلى مناسبة للتوحيد والتوحد، إلا أنها تحولت إلى مناسبة للإنتقام من المنافسين الفائزين، وإلقاء النار على زيت الخلافات في الداخل. وعلى سبيل المثال اشار المرشد الأعلى إلى رفع شعار لا غزة ولا لبنان، وأدانه بعد مضي خمسة أعوام! وتابعه أحمد خاتمي إمام جمعة طهران في يوم القدس، وفي نفس اليوم صرح المرشح الخاسر للرئاسة غلام علي حداد عادل منفساً عن عقدته بالقول: إن الذين رفعوا رايات لا غزة ولا لبنان في العام 2009 في ساحة هفت تير[ في وسط طهران] هم أثبتوا بأنهم ليسوا بعيدين عن روح الإسلام فحسب، بل إنهم بعيدون عن الإنسانية، كذلك". وكذلك عقيد الحرس الثوري محمد حسين صفار هرندي وزير الإرشاد السابق في حكومة نجاد ومستشار قائد الحرس الثوري حالياً تحدث عن فضاحة شعار لا غزة ولا لبنان، وألقى باللائمة على الداعمين لهذا الشعار. أما عسكرياً فيبدو أن حرب غزة الأخيرة تحولت إلى سلسلة من المناورات لتجريب مدى قوة ودقة الصواريخ الإيرانية الصنع، في حرب حقيقية واختبار القبة الحديدية للكيان الصهيوني. وأما إقليمياً تحولت هذه الحرب إلى مناسبة لتعاطف الجماهير مع مشروع المقاومة الذي يديرها إيران، بينما يرتكب داعش أبشع المجازر ويُظهر كخطر ليس على المسيحيين والشيعة وحتى السنة، بل كتهديد رئيسي على الحضارة الإنسانية برمتها.