فور انتصار الثورة الإيرانية، عام 1979، أصبح فلسطين، اسم لاحدى شوارع طهران العاصمة الجميلة، بالقرب من جامعة طهران، وقرب ساحة "الثورة الإسلامية"، وتقع السفارة الفلسطينية في وسط هذا الشارع، ومبنى هذه السفارة كانت لسفارة الكيان الصهيوني، تم اقتحامها من قبل الشعب الإيراني وتسليمها إلى حركة فتح، لتصبح سفارة لفلسطين.

حب الإيرانيين لفلسطين ليس وليد الثورة الإيرانية بل إنه سابق عليها وناتج من الثقافة التي عاش الشعب الإيراني عليها منذ أكثر من ألف سنة. إن هذا الحب ناتج عن الثقافة العاشورائية الحسينية، فالحسين كما يعرفه الإيرانيون ليس إسما لأحد أئمة الشيعة فحسب، بل إنه رمز ومنهج ورسالة خالدة  وحركة حيوية على مدى التاريخ، ضد الظلم والطاغوت.

يعود رصد الإيرانيين لقضية فلسطين، إلى ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني حيث شارك وفد إيراني، في مؤتمر القدس، بمشاركة السيد محمود الطالقاني الذي أصبح فيما بعد الرجل الثاني في الثورة الإيرانية بعد الإمام الخميني. فإذن يمكن القول بأن كره ألإيرانيين للصهاينة كان سابقا على كره الشاه.

ولن ينس الإيرانيون أولى خطابات الإمام الخميني في العام 1954 أي في بداية انطلاقة الثورة الإيرانية، عند ما تهجم هجوماً عنيفاً على الشاه وحكومته وفضحه بأن السلطات طالبت المعارضين، للتعهد بأن لا يتكلموا ضد الإسرائيليين وعدم التصريح بأن إسرائيل تمثل خطراً على الإسلام!

وهكذا أصبحت القضية الفلسطينية احدى دوافع الثورة الإسلامية في إيران ومن تبريراتها. وكان معارضوا الشاه، خاصة العلماء الدينيين منهم، يتهمون الشاه بالخيانة للشعب الفلسطيني المسلم، لأنه اعترف بالكيان الصهيوني وقام ببيع النفط لهذا الكيان في فترة المواجهة بين العرب والكيان الصهيوني.

وعلى سبيل المثال كان الشهيد مرتضى مطهري،اكبر منظر للثورةالإسلامية، شديد التحمس للقضية الفلسطينية، وكان يعمل منذ سنوات قبل انتصار الثورة على توعية الشعب الإيراني الشيعي بأن المواجهة بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني،هي مواجهة بين الحق والباطل، وهي حرب معاصرة بين جيش حسين بن علي ويزيد بن معاوية، قائلاً: أترك يزيد الذي كان يعيش قبل 1400 عاماً واعرف يزيد عصرك وزمانك، والله إن القضية الوحيدة تعذّب النبي محمد (ص) في قبره هي القضية الفلسطينية".

هذه الكلمات التي نقلتها حرفيا عن الشهيد آية الله مطهري، قلما تخرج، أم بالأحرى أنها لم تخرج من أفواه أي عالم دين سني عربي.

وللمناسبة أضاف مطهري في نفس الخطاب، بأن الكيان الصهيوني، كيان توسعي، لدرجة أنها ربما سوف تدّعي بأن مدينة شيراز هي جزء من دولة إسرائيل، لأن الشعراء الشيرازيين الكبار عبروا عن مدينتهم بأنها هي مملكة سلميان، وفق ما يرى عبد الرحمن فرامرزي ( الصحافي الإيراني البارز).

وبعد انتصار الثورة الإيرانية، وجد العلاقة بين الشعبين، احدى ترجماتها في إعلان يوم القدس العالمي من قبل الإمام الخميني، في تحديد الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك.

فضلاً عن أن قضية فلسطين وقضية القدس، تقعان وراء الأحزاب والحركات والتيارات السياسية سواء في إيران أو في فلسطين، يمكن القول بأن الخلاف بين إيران وحركة حماس على القضية السورية، لم يفصل بينهما فيما عداها، وتقليص دعم إيراني المالي لهذه الحركة خلال السنتين الماضيتين، لم تكن عقوبة لحماس على وقوفها ضد النظام السوري بقدر ما كان نتيجة العقوبات الدولية ضد إيران، حيث أن إيران كانت تعاني النقص في مواردها النفطية.

وطمأن محسن رضائي المقاومين في غزة خلال رسالة وجهها إلى محمد الضيف، قائد القسم العسكري لحركة حماس في غزة، قائلاً: سيؤمّن الأسلحة التي تحتاجون إليها، ولو من قلب الأحجار! في إشارة إلى المثل الإيراني الذي يعبر عن فعل المستحيل.

وآخر المستجدات في العلاقة بين إيران وفلسطين، دعوة المرشد الأعلى آية الله خامنئي، بتسليح الضفة الغربية، أسوة بقطاع غزة، وتعقيب حركة حماس لهذه الدعوة عبر توجيه الدعوة للفلسطينين في الضفة بإطلاق انتقاضة شعبية.

وبعد يوم من توجيه دعوة المرشد الأعلى لكل من يتمكن من دعم الفلسطينين في الضفة للتسليح، أعلنت القوات التعبئة الباسيج التابعة للحرس الثوري، عن فتح حساب مصرفي لاجتذاب الأموال وصرفها لتجهيز الضفة بالسلاح.

وطالب الباسيج، من الشباب الأردنيين، العمل من أجل توسيع الطرق، لإدخال السلاح إلى الضفة الغربية.

ومن جانبه طلب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الشعب، بالمشاركة في مسيرات يوم القدس العالمي، معتبرا إياها الوقوف بجانب الحق وإدانة للباطل.

يُظهر نداء محمد خاتمي، رمز الحركة الإصلاحية في إيران، واذي يتمتع بأكبر شعبية في إيران، بأن مناصرة الشعب الفلسطيني، في إيران، لا يقتصر على المحافظين أو الحرس الثوري، بل إنها من تركة الإمام الخميني التي يرثها الجميع، سواء المحافظون أو الإصلاحيون.

هكذا توّحد فلسطين، المحافظين والإصلاحيين، في إيران، فمتى توّحد العرب؟ّ!