يسجّل قلق لبناني رسمي من أيّة انعكاسات قد تطال لبنان، في خضم الأحداث الأخيرة في العراق وتطوّر عمليات التنظيمات المتطرّفة. وزاد القلق خلال الساعات الماضية نتيجة الانفجار الانتحاري الذي حصل في ضهر البيدر، وما يمكن أن تكون له من خلفيات وأهداف بعد مرحلة من الهدوء على هذا الصعيد.
لكن على الرغم من ذلك، تؤكد أوساط سياسية بارزة أنّ لبنان ليس في دائرة الخطر في المرحلة الحالية، ولا شيء يمكن أن يكون مصدر خوف على المديين القريب والمتوسط، إنّما إذا طالت الأمور على هذا النحو في العراق وفي سوريا دون معالجة، فلن يكون هناك أدنى شك من سخونة قد يشهدها لبنان في اطار الانعكاس الأمني بهذا المنحى عليه. لكن، ولدرء أي أخطار قد يتأثر لبنان بها، فإنّ التوافق السياسي بين الأطراف اللبنانيين يشكّل صمّام الأمان لاستمرار حالة الاستقرار التي يعيشها الوضع الأمني، وأهم عنصر يمكن من خلاله محاربة كل أنواع ومصادر احتمالات هزّ الاستقرار هو التوافق، ومنع تسهيل الطرق أمامها، ومنع إيجاد بيئة حاضنة لها، وانعدام دعمها. وفي هذه الحالة لا يمكن أن تمر هذه الافعال بسهولة، لكن في حالة الخلافات والنزاعات، فإنّ ذلك يشكّل استقطاباً لمثل هذه الحركات والتنظيمات وبيئة حاضنة لها. والدواء لذلك هو الاتفاق وتخفيف الشحن الطائفي. مع الإشارة إلى ضرورة اتخاذ كافة الاحتياطات ولو انّ الوضع الداخلي جيّد أمنياً إلى حد ما، إنّما يبقى للوضع الاقليمي تأثيراته ما يوجب اليقظة.
فضلاً عن ذلك، انّ كل الأطراف اللبنانية متّفقة حول أن لا حرب في لبنان. فالحرب تحتاج إلى فريقين وإلى تمويل ودعم خارجي، وليس من فريق داخلي يقوم بالأعمال التفجيرية ضدّ آخر. إنّها أعمال مصدرها خارجي وفي مرّات عدّة تبدو بالغة الأثر ومرّات لا تبدو كذلك. إنّما يجب عدم تكبير حجم هذه الأمور ولن يؤثّر ذلك على الاستقرار، حيث تعمل الأجهزة الأمنية كافة على حفظ الأمن.
ويبرز استياء وقلق دوليان من جرّاء التطورات العراقية، إلى الحد الذي تؤكد معه مصادر ديبلوماسية، أنّ المجتمع الدولي بات يعتبر أنّ مكافحة تنظيم «داعش» هي أولوية نظراً إلى خطره في المنطقة، وهناك عمل دولي جدّي في هذا الاطار. وتجري اتصالات أميركية أوروبية، وأميركية مع دول المنطقة، وتجري مناقشة الموضوع أيضاً مع لبنان عبر القنوات الديبلوماسية والأمنية. وتهدف الاتصالات إلى المساعدة والتعاون في مكافحة إرهابه وباتت الأولويات الدولية وأولويات دول المنطقة مكافحته بسبب كونه بات الخطر الأول. وأوضحت أنّ هذا التنظيم مصدره تنظيم «القاعدة» والاثنان تم ادراجهما على اللائحة الدولية للإرهاب.
لبنان استطاع الاستفادة من إعادة ضبط النظام السوري حدوده معه، ما أوقف تدفّق الإرهاب الأصولي إليه خلال الاشهر القليلة الماضية. إنّما الدول الأخرى في المنطقة تبدو تحت وقع خطره. وفي أثناء تركيز الدول على إسقاط النظام السوري، عمل تنظيم «داعش» على التقوية الذاتية مستفيداً من الفوضى الأمنية والسياسية داخل سوريا. وفي العراق، وفي مرحلة ضعف السلطة هناك، عمل «داعش» أيضاً على التقوية الذاتية مستفيداً من الوضع الأمني الهشّ، ومن الفلتان على الحدود العراقية السورية، الأمر الذي عزّز وجود القوى المتطرّفة والإرهابية هناك. في وقت لا تزال كل هذه التنظيمات تتلقى الدعم والمساعدة المالية.
ونتيجة قوّة «داعش»، هناك خطر على كل الدول في المنطقة ليس فقط على سوريا والعراق، إنّما على تركيا، والأردن حيث الحدود مع العراق مفتوحة وهي في غالبيتها صحراء.
ومن جرّاء هذا الخوف الأمني لا سيما في العراق، هناك قلق في دول المنطقة من حصول لجوء للعراقيين إليها. والآن طالما العاصمة بغداد مستقرة لا تبرز هذه المشكلة، لكن أي تطور يطال العاصمة، سيهدّد النمطقة بلجوء عراقي. ولبنان مثلاً لم يعد قادراً على تحمّل أي عبء لجوء جديد. فعلى أراضيه نحو مليوني لاجئ، وهو بالكاد قادر على تأمين حاجات أبنائه نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، والمساعدة الدولية الفعلية للبنان في إيواء النازحين السوريين لم يتلقاها بالكامل.
المجتمع الدولي نقل تركيزه من اوكرانيا كأولوية أخيراً، إلى التطوّرات العراقية نظراً إلى خطورتها.

ثريا شاهين