أكّد الصحافي الشهير روبرت فيسك أنّ التقسيم القديم لمنطقة الشرق الأوسط الذي وضعه الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في العام 1916 قد انتهى كليًا، وإذ أعلن عن وفاة هذا الإتفاق الذي حدّد نفوذ الدول الكبرى بعد الحرب الأولى، كشف أنّ رئيس "اللقاء الديقراطي" النائب وليد جنبلاط قاله له الليلة الماضية "سايكس بيكو ماتت"، مردفًا "يبدو أنّه على حق".

 

وأوضح فيسك في مقالٍ نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية اليوم أنّ الغرب سعيد بمشاهدة القوات المسلمة تقاتل بعضها بعضًا، كما أنّ إسرائيل التي أرسلت أسلحة لإيران ترى أعداءها المسلمين يدمرون بعضهم بعضًا، وبناءً على ما تقدّم يضيف فيسك "يؤمن جنبلاط أنّ المأساة الحالية -حين تقتل السيدين سايكس وبيكو - ستجعل آرثور بلفور يضحك في قبره".

 

وبحسب فيسك، فإنّ مقاتلي "القاعدة" الذين لا يعترفون بالحدود الجغرافية بين سوريا والعراق والأردن ولبنان بدأوا بتحقيق "الخلافة الإسلامية للعراق وسوريا"، مشيرًا إلى أنّ استيلاء مقاتلي "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش" على مدينة الموصل العراقية خير دليل على انهيار التقسيم الذي فرضته معاهدة سايكس- بيكو.

 

وسرد فيسك ما حصل بعد إبرام تلك المعاهدة، وقال: "أصبحت البلدان الشرق الأوسطية آنذاك مقسّمة وخاضعة لمناطق نفوذ نصّت عليها المعاهدة، ممّا سمح في المقابل لبريطانيا أن تعد بإنشاء مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي وهو ما يعرف بوعد بلفور".  ولفت الكاتب إلى أنّ العرب والإسرائيليين فقط يُدركون أبعاد التغيرات التاريخية التي تحصل ويفهمون المعنى السياسي العميق لذلك، إذ إنّ المعارك غير العادية التي شهدها الأسبوع الأخير في العراق فتحت الجدال حول خريطة الإنتداب للشرق الأوسط من جديد.

 

وأكّد أنّ خريطة الشرق الأوسط الجديدة ستضاعف من نفوذ السعودية على منطقة النفط، كما أنّ صادرات النفط العراقي ستنخفض مما سيزيد أسعار النفط (بما في ذلك النفط السعودي)، موضحًا أنّ المسلّحين السنّة أحكموا سيطرتهم على النفط في الموصل. وبحسب تحليلات فيسك، فإنّ التقسيم الطائفي الجديد يلوّح بنشوب حرب مماثلة لتلك التي اندلعت بين العراق وإيران وأودت بحياة مليون ونصف مليون شخص.

 

وذكّر بأنّ إنهيار الإمبراطورية العثمانية في 1918، قسّم أملاكها إلى محورين، الأوّل قريب من كركوك الخاضعة الآن لسيطرة الأكراد، وحتى الموصل في شمال العراق والثاني من الصحراء السورية، حتّى الضفة الغربية. وكشف أنّ الموصل كانت أُعطيت في البداية للفرنسيين وتمّ تسليم نفطها للبريطانيين في مقابل منطقة فرنسية عازلة بين بريطانيا القوقاز الروسي، وبقيت بغداد والبصرة في يد بريطانية آمنة تحت الخط الفرنسي، ولكن الرغبة البريطانية التجارية المتصاعدة بالنفط أدّى إلى إدخال الموصل في المنطقة البريطانية داخل الدولة العراقية الجديدة (بلاد ما بين النهرين سابقًا) وأضحى نفطها آمن بيد لندن. وحينذاك كان العراق، شرق الأردن وفلسطين تحت الإنتداب البريطاني أما سوريا ولبنان فكانا تحت الإنتداب الفرنسي.

 

ويضيف الكاتب: "لكنّ الخريطة الجغرافية الجديدة التي أنشأتها القاعدة والنصرة وداعش  تمتد من الشرق إلى الغرب، بما في ذلك الفلوجة تكريت الموصل الرقة ومناطق واسعة من شرق سوريا، إنّ تكتيك الجهاديين  يشير بقوة الى أنّ الخط الذي ينوي الجهاديون التمدد عليه يبدأ من غرب بغداد مباشرة بعد الصحارى السورية والعراقية حتّى تضم حمص، حماة وحلب للعراق".

 

ولفت إلى ما نشره الباحث الإقتصادي إيان روتليدج عن معركة الموصل والنفط خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، والخيانة الإنكليزية للشريف حسين، الذي وعدته بريطانيا بتأسيس دولة عربية شرقية مستقلة استقلالاً تاماً عن الأتراك، مضيفًا إنّ روتليدج بحث في القلق البريطاني حينذاك حول النفوذ الشيعي في جنوب العراق، حيث يكمن النفط في البصرة.

 

(Independent - لبنان 24)