يرى مرجع سياسي مستقل أن الجدل القائم حول تفسير بعض مواد الدستور ولا سيما تلك المتعلقة باناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، يبدو في معظم الحالات أبعد ما يكون عن الدستور، إنما هو لغايات سياسية وكل يغني على ليلاه ربطاً بحساباته في الانتخابات الرئاسية. وفي رأي المرجع المذكور أن الطريق الأقصر للخروج من هذا الجدل هو انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، وأن لا مبرر على الاطلاق لتعطيل جلسات الانتخاب من أي جهة كانت، سواء بالأوراق البيضاء كما حصل في الجلسة الأولى أو بتعطيل النصاب كما حصل لاحقاً، بأساليب مختلفة أقرب ما تكون الى الترف السياسي، وأقل ما يُقال في عدم إجراء الانتخابات أنه إدانة للطبقة السياسية برمتها وإن بنسب متفاوتة. وإذا كان ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من جانب فريق 14 آذار "بهدف التعجيز والإحراج" كما يرى فريق 8 آذار، فإن عدم إعلان هذا الفريق "صراحة" عن مرشحه وهو رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، وعدم التوجه به الى مجلس النواب، يصب في الإطار نفسه، ولا سيما عندما تكون حجته ضعيفة، إذ يبرر عدم حضوره جلسات الانتخاب بعدم استكمال اتصالاته اللازمة لتأمين وصول مرشحه، وتبدو حاله كتلميذ مرشح لنيل شهادة ويطالب بإلغاء الامتحانات الرسمية بسبب عدم استكمال استعداده لها!

هكذا يبدو طرفا الاصطفاف السياسي شريكين، كل على طريقته، في تعطيل الانتخابات، وإن يكن فريق 8 آذار عزز حجة الفريق الآخر ضده، أقله من خلال عدم حضور الجلسات وتعطيل النصاب، واللافت أنه حتى الآن، لم "يكشف" هذا الفريق عن مرشحه النهائي، ولا المرشح نفسه أعلن ترشيحه "رسمياً"!
ولم يعد سراً أن عون ينتظر جواباً من الرئيس سعد الحريري لكونه يترأس أكبر كتلة نيابية، وذلك في ظل تسريبات متتالية من مصادر الطرفين، ومعظمها لا يصب في مصلحة منتظري هذا الجواب، ولا سيما عندما يكون احدها ان عون ينتظر جواباً سعودياً من خلال الحريري"، فتلك العبارة وحدها تكفي لاستفزاز زعيم كتلة "المستقبل" لما تحمله من خلفية غير بريئة دفعت مصادر مؤيدة لهذه الكتلة الى اعلان انتظار الموقف الايراني – السوري من الانتخابات الرئاسية، من خلال المرشح عون وحلفائه... ناهيك بما سرب من كلام منسوب اليه خلال استقباله وفد "المؤسسات المارونية" ووصف بأنه "خطير" اذ تحدث عن "تحالف الاقليات" مكرراً تأييده الرئيس السوري بشار الاسد ومقترحاً منحه جائزة نوبل للسلام... وما شابه من عبارات لا تخدم صورة المرشح الذي يقدم نفسه توافقياً ومنفتحاً على الجميع. ومما عزز مفاعيل هذا الكلام انه لم يصدر أي نفي أو توضيح له عن عون، بل ان بعض المشاركين في اللقاء أكدوا صحته.
واذ تبدي مصادر قريبة من قوى 14 آذار أسفها "لحماسة فريق من اللبنانيين للانتخابات الرئاسية السورية والتصفيق للرئيس بشار الاسد فيما يمنع هذا الفريق اجراء الانتخابات في لبنان" ترى مصادر قوى 8 آذار أن "من يريد الانتخابات لا يتقدم بمرشح استفزازي تعجيزي".
وسط هذه الاتهامات المتبادلة، ليس في الافق ما يشير الى "الافراج" عن الانتخابات الرئاسية في وقت قريب، ويبدو واضحاً ان من حال دون اجرائها في 25 ايار لم يفعل ذلك لكي يسمح بها في 26 منه... وهذا يعني انه يعمل على ربطها باجندات خارجية واستحقاقات أقليمية تبدأ بسوريا والعراق ولا تنتهي باليمن والبحرين! ولعل ما يؤكد ذلك، جواب الرئيس تمام سلام في حديثه التلفزيون مساء الاثنين عبر محطة "ام.تي. في" لدى سؤاله عن حقيقة ما قاله الوزير نهاد المشنوق عندما توقع عدم اجراء الانتخابات قبل منتصف آب المقبل، اذ رأى سلام أن هذا الموعد قد يكون فيه بعض التفاؤل، مبدياً خشيته من اطالة عمر الشغور في سدة الرئاسة ومكرراً في الوقت نفسه الدعوة الى العمل في اتجاه اجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
وفي الانتظار يبقى "الطموح" على المستوى الرسمي، تجنب المزيد من تداعيات الفراغ الرئاسي على العمل الحكومي، في ظل تكاثر التفسيرات والاجتهادات، وقد ذهب بعضهم بعيداً إذ رأى ان "الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النواب هي صاحبة الحق في ملء هذا الفراغ على المستوى الحكومي"!
كيف الخروج من هذا المأزق وقطع الطريق على محاولات لعرقلة العمل في مجلس الوزراء؟
اذا كانت المادة 62 من الدستور قد جاءت مختصرة ولم تدخل تفاصيل صلاحيات رئيس الجمهورية التي "تناط وكالة بمجلس الوزراء" في حال خلو سدة الرئاسة وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، فإن الأمر الطبيعي هو ممارسة هذه الصلاحيات وفقاً لنظام مجلس الوزراء (الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور) في اتخاذ قراراته "توافقيا، واذا تعذر ذلك فبالتصويت باكثرية الحضور، أما المواضيع الاساسية (مثل حل مجلس النواب أو قانون الانتخابات) فتحتاج الى موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة. ويرى صاحب ذلك الاقتراح، الخبير الدستوري الدكتور خالد قباني أنه في ظل الظروف الراهنة ينبغي ان تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بحكمة وروية" وبروحية تصريف الاعمال، على أن يبقى الهدف اجراء الانتخابات في أسرع وقت.