لا أعرف كيف يمكن لإنسان أن يكتب، ليقول إنه "ما زال حيّا"، وقد كانت تفصله عن الموت أمتار قليلة.
للحظات تبدو الحياة عالقة بذنب كلب.
أتحسس جسدي، لأتأكد أنني لا أنزف من مكان ما. ثم أنتبه أني في منتصف الطريق. دخان كثيف أمامي، ربما عن يميني، أو عن يساري... تضيع الاتجاهات. أسأل نفسي مرة أخرى: هل ما زلت حيّا؟
انفجار. انفجاران... أمدّ رأسي من باب السيارة، بعدما "تبعثر" السير، وذهبت السيارات يمينا وشمالا... أسأل جاري المرتبك مثلي: ماذا حدث؟ لا يعرف شيئا. امرأة تنهار، تشرع في البكاء عن يساري، الرجل في السيارة، يحضنها، يبكي مثلها.
انتبه لما حدث، انتبه أنه كان يفصلني عن الموت، لحظات.
صباحاً اتصلت بي زوجتي وهي معلمة، لتخبرني أن مروان نسي "رسمة السنجاب" في بيتنا في البرجين (إقليم الخروب) الذي انتقلنا إليه للسكن موقتا، خوفا من البقاء في بيتنا في حارة حريك.
قلت لنفسي، وأنا على الطريق: لأسلك طريق السفارة الكويتية، حتى أصل إلى مدرسة ابني، وأوصل له الرسمة، لاعتقادي أنها أكثر أمانا من طريق المطار القديم.
فجأة اهتزت بي السيارة، ودخان كثيف "طلع" في وجهي. لم أعد أعرف ماذا أفعل. حاولت أن اتصل بزوجتي في المدرسة، لأنني ظننت أن الانفجار قريب منها، لكن... "لا اتصالات". حاولت أن اتصل بأهلي لأطمئن عليهم في الضاحية... "لا اتصالات". حاولت وحاولت... ولم أعد أقوى على شيء سوى البكاء.
عدت عكس السير، مع العائدين. سيارات إسعاف. نساء ورجال يهرعون في كل اتجاه.
بعد أكثر من نصف ساعة عالقا في الزحمة، فتحت الطريق نسبيا، ووجدتني أعبر طريق المطار القديم، الذي خفت عبوره. وصلت إلى المدرسة، هرعت إلى الداخل. أمهات وآباء مذعورون، يأخذون أولادهم من المدرسة.
شاهدت زوجتي من بعيد، مع التلاميذ الصغار، كانت تطمئنهم وتعتني بهم، حتى يأتي ذووهم. غلبتني أعصابي مرة أخرى. حضنتني... قلت:
- نسيت "رسمة سنجاب" مروان في السيارة.
كامل صالح