تفاقمت ظاهرة التطرف الديني لتقدم للمحتل وعلى طبق من ذهب كامل الذرائع التي يحتاجها لتفتيت أوطاننا وتقسيمها، وتفكيك وحدتنا الوطنية تحت لافتات المعارضة والاعتراض التي لم تأخذ في حساب شعاراتها معنى كلمة الحق الذي يُراد بها باطل، ونسينا ما قلناه في القرن الماضي من أن مسألة الطائفية والعصبيات القومية والحزبية هي من صناعة الاحتلال القديم، وأن مجتمعنا العربي المتسامح الواعي لن يقع فريسة سهلة لهذه الانقسامات الحادة وتناقضاتها الدينية والسياسية

وعلى مدى فجائعنا اللامعقولة رحنا نردد مع شاعرة بغداد نازك الملائكة:
كلما أبصرت عيوني أزهاراً..
تذكرت قاطف الأزهار ‏
وطوال قرن كامل من أسئلة النهضة غاب عن مشروعنا الحضاري العربي القومي ربط التوحيد الديني بالتوحيد القومي ولقد لفت انتباهنا إلى ذلك باحث إسلامي قومي وضع يده على مفصل الأزمة بقوله «لو تخيل المرء أن كل أمة من الأمم العريقة قد صكت لحضارتها عملة تميزها لكانت العملة التي تميز حضارتنا مزدانة برمز التوحيد: التوحيد الديني على وجه والتوحيد القومي على وجه آخر». ‏
وها نحن الآن بعد قرن كامل من تجارب النهوض العربي نبحث عن مكامن الخلل في عثرات سؤالنا عن النهضة والوحدة. فقد جربنا أفكار الانفتاح الليبرالي السياسي إلى أقصى مداه، وجربنا أفكار الاشتراكيات والديمقراطيات الشعبية في بعض أوطاننا، كما جربنا انغلاقات الفكر السياسي الديني بمختلف أصولياته ولا تزال هواجس النهضة والوحدة على حالها المؤرقة في البحث عن الحلقة المفقودة بين حلقات القوة وحلقات الضعف فينا لماذا؟ لأننا وببساطة كنا نعمل مع كل تجربة جديدة على أساس الانطلاق من الصفر دون أن نلتفت إلى أهمية الاستفادة من غنى تجاربنا السابقة، ولم نلتفت كذلك إلى أن التاريخ لا يُلغى بل يتم تجاوزه من خلال التراكم. وهنا يكمن مأزق الإجابة عن سؤال تحديات الوحدة وأولويات النهوض التي لا تزال معلقة على مشاجب تناقضاتنا. ولن يستقر لنا حال حتى نؤمن من جديد بوجوب الحوار من موقع نقد الذات العربية والوطنية تمهيداً للتأسيس لتاريخ عربي لا يلغي تاريخ ما سبق ولا ينفيه، بل يستوعبه ويتجاوزه بإنتاج معرفة جديدة لجوهر هويتنا في زمن العولمة والاحتلال. ‏
وبمقاربة موضوعية لتحديات التنوع والاختلاف في مجتمعنا العربي أرى أن ليس ثمة ما يمنع أن يكون للانفصال قيمة في جوهره تعادل قيمة التواصل والاتصال ليستوي البناء الأخلاقي في المجتمع الواحد على هندسة وعي التمايز بين القيم والأفكار. وحينئذ لا تصير المناعة تطرفاً ما دامت خريطة الاجتماع الوطني والإنساني هي خريطة تنافس وتعاون على البر والتقوى بحوارات العقول..
فهل يعي دعاة التطرف والتكفير في شرقنا خطورة هذه المؤامرة المكشوفة حيث أصابع الاحتلال قابضة على زناد التطرف الديني من أقصى الغرب إلى أدنى الشرق ومن أدنى الجنوب إلى أقصى الشمال لتظل حاكمية العدالة هي الضحية الكبرى لفوضى عولمة لا تنتعش أو تتسع إلا بفوضى الهويات وتفجير تناقضات الخصوصيات الدينية والعرقية من الداخل؟ وهل يعي دعاة الاستسلام والارتهان للمشروع الأمريكي في شرقنا خطورة التفريط بثقافة المقاومة وثقافة الوحدة الوطنية بوصفها مقاومة لمنطق الحرب الأمريكية الجديدة المدججة بسيناريوهات التجزئة والتقسيم وتمزيق الأوطان.

بقلم الشيخ حسين أحمد شحادي