لاشك ان الاعلام تطور لدى الجميع وانتقل من كونه مجرد وسيلة الى هدف لاجل تحقيق مجموعة اهداف، فمن يمتلك الاعلام يملك دولة او مقومات واسس الدولة بل الحضارات التي استطاعت ان تحافظ على نفسها الى وقتنا الحاضر ، تلك التي وثقت نفسها اعلاميا من خلال كتابات ومدونات واثار  ، ومن لايملك الاعلام يبقى الحلقة الاضعف في جميع المراحل

فالدول عادة ما تكون اولى المبادرين والمستفيدين وجاءت بعدها مسئلة تعدد الوسائل لتلبية مختلف الرغبات بالبحث عن المعلومة، ثم تبلورت فكرة امتلاك المنبر الاعلامي من قبل اللوبيات العاملة بقوة والاحزاب والقوى الدينية الباحثة عن مساحة للتاثير،ولا نغفل  دور رجال الاعمال البرغماتيين.

ومرور سريع على اسس وبدايات الاعلام عند الشيعة يكون خطوة اساسية اذا ما فكرنا وخططنا لتأسيس اعلام شيعي قادر على التواصل والتعامل مع الاخر وكذلك قادر على ان تكون له كلمة مسموعة في المحافل الاعلامية الاخرى وايضا يسلط الضوء على التراث والتأريخ والحاضر المغفول عنه عند الشيعة ،ولذلك استوقفني عنوان (صحيفة الشيعة الدولية ) بعد ان كنت اتوقع انه عنوان اخر من العناوين المذهبية التي راج سوقها هذه الايام ومن المساحات المعروفة المضمون سلفا ، ولكن جولة سريعة في مفاصل هذا الموقع لم يتبن لي بوضوح وجهة مؤسسيه ولكن ترائى لي انه مشروع محترم يتبنى وجهة نظر قريبة جدا من مقدمة هذه الاسطر.

فالمكون الشيعي بطبيعة تركيبته يعتبر نفسه دائم الحاجة للاعلام ومدركا لاهميته ربما نظرا للتراكمات بالاحساس بالمظلومية معتبرا الرسول الاكرم "ص" هو اول اعلامي بطريقة دعوته الناس للاسلام والامام علي من خلال اعتراضاته المعروفة وحياديته السلبية من الحكم الذي مورس بعد وفاة النبي ( ص) "ونهجه البلاغي" والسيدة زينب بنت علي  "ع" والدور الهام الذي قامت به بعد استشهاد اخيها الحسين "ع" في كربلاء وخطبتها الشهيرة وصوتها الذي بقي مدويا منذ اخذهم كسبايا بعد المعركة وتركيزها على ظلامتها واعلام الناس بنسبها المنتمي للرسول،  وكذلك ما كان عليه ائمة اهل البيت واتباعهم وحتى مفهوم التقية الذي اثار حفيضة اعدائهم ، كلها (بغض النظر عن جانبها التأريخي والعقائدي ) ادوار اعلامية وهي بمثابة البنية التحتية للاعلام الشيعي وهذا الامر منح الشيعة ايضا موروث ملكة الخطابة فلا تكاد تخلو منطقة او قرية من رجل دين يذكر ظلامة الحسين وكل تلك المواقف  حتى تحول هذا الامر - من وجهة نظر اعلامية - الى وسيلة اعلامية يزاولها الالاف من المبلغين الذين انطلقوا بين الدول والقارات وان لم يخلوا الامر من اشكالات على البعض سواءا بالمضمون او الاداء ، ولكن لا يكاد تجمع صغير في ادنى الارض الا وله تواصل دوري ومنتظم مع مبلغ او رجل دين..

هذا الامر مضافا الى قوة التحليل وكيفية الاستفادة المثلى تسبب في تصاعد وتيرة اداء مدرسة او منهج او رؤية على حساب اخرى  - حتى داخل الطائفة الواحدة - وبرأيي ابرز من استفاد منها في القرن العشرين هو الراحل السيد الخميني من خلال تواصله المباشر مع رجال الدين وخطاباته الشهيرة وتمرير افكاره واراءه الى انصاره ، والاهم من ذلك الى الرأي العام ،  من خلال شريط الكاسيت والمنشورات والاوراق الصغيرة والدعاية المضادة  ومن ثم اعلانه ساعات الصفر لاي تحرك . فشكل انتصارا اعلاميا واضحا للمتتبع لاعلام الثورة والحراك الشعبي وبادوات اعلامية متواضعة على حساب اعلام الدولة بأمكانياته الهائلة ومن جهة اخرى وبتقييم بسيط كان غياب الاعلام احد اهم الاسباب ( بالاضافة الى بطش المناوئين ) التي ادت الى اخفاق  ثورة بل ثورات في تأريخ الشيعة مثل ثورة المختار والتوابين وتحركات الشيعة وعلمائهم في جبل عامل والشام ومناطق اخرى وصولا الى ثورة العشرين و المشروطة وحركة الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد الصدر وغيرهم من العلماء بل وحتى الظلم الذي وقع على حوزة النجف الاشرف من قبل النظام المباد واعوانه  واظهارها بصورة المؤسسة المغلوب على امرها كل ذلك اعتقد كان متأثرا بشكل كبير بغياب العنصر الاعلامي والمؤسسات الاعلامية التي كانت بأستطاعتها قلب الموازين  ، وحتى لا ابتعد عن الجانب السردي لهذه المقالة من الضروري ان أُشير الى جهد اعلامي اخر وهو ارتباط رجال الدين وممثلي ووكلاء مراجع الدين في المناطق والقصبات المختلفة بالحوزات العلمية وتحولهم الى حلقة ربط بين مراجع الدين والحوزات العلمية كحوزة النجف وقم المقدستين هو جهد اعلامي تميز به اتباع مدرسة اهل البيت ( ع) .

 

وبالطبع يمكن ادراك تاثير هؤلاء المبلغين من خلال ربط الشيعة بمراجعهم وتفاعلهم مع الاراء العقائدية والفتاوى الدينية ( عبادات ومعاملات ) والسياسية وايضا و مع تطور الاعلام الورقي انطلقت عشرات المؤلفات والمجلات والجرايد الشيعية والتي عرضت الدين والاحكام الشرعية والسيرة وبث الافكار الاجتماعية والسياسية ولو بشكل بسيط في بعض جوانبه ولكنه لم يتحول الى ظاهرة مدروسة ، ولكنها فتحت ابواب المواجهة مع السلطات والانظمة خصوصا القمعية منها واظهر الارتعاب والارتباك في ردود افعال تلك الانظمة والجهزة  ، فكانت احكام الاعدام والتشريد والتسفيروالترويع تطال اتباع اهل البيت لمجرد وجود كتاب او صورة او حتى فكرة في الرأس كما كان عليه العراق واغلب دول الخليج والهند وباكستان وغيرهم.

في الثمانينيات اطلقت الجمهورية الاسلامية الايرانية اول مجموعة اعلامية بعد انتصار الثورة الاسلامية وسمع للمرة والاولى اذان رسمي لدولة شيعية يحمل شهادة ان  عليا ولي الله من خلال التلفزيون والراديو وكذلك صدور كتب وصحف ومجلات داخل وخارج ايران ، وقبيل ذلك نشوء بعض المؤسسات الشيعية الغير ايرانية منها دار التوحيد في الكويت او مؤسسة البلاغ التي طبعت ما يقارب ١٥ مليون كتاب ونشر الافكار لاهم المفكرين والكتّاب الرساليين لاكثر من ٢٥٠ عنوانا وباكثر من ١٠ لغات تم ترجمتها لكثر من ٢٥ لغة مختلفة

في عام ١٩٩١ تم احباط انتفاظة الشيعة جنوب العراق وكما اشرت  الضعف الاعلامي كان اهم الاسباب وادرك العراقيون حينها ان الاعلام الايراني حتى بلغته العربية نتيجة لضعف التخطيط هو اعلام دولة وليس اعلاما شيعيا

وشهدت فترة التسعينيات ايضا انطلاقات اعلامية محلية في لبنان كقناة المنار التابعة لحزب الله واذاعة المستضعفين  واذاعة النور التابعة لنفس الحزب، اضافة لاذاعة الايمان والبشائر التابعة لللسيد فضل الله تعتبر في طليعة الرواد في هذا العالم مستفيدين من المساحة الاعلامية والانفتاح الذي مكن كل الطوائف في لبنان من امتلاكها، للحفاظ على هويتها مسجلة بذلك الى جانب عشرات مواقع الانترنت وكذلك بعض الصحف العراقية المعارضة في كل من طهران ودمشق ولندن ومناطق اخرى بداية صحوة عصر الاعلام الشيعي.

 

 

وفي  التسعينيات ايضا كانت بداية عصر الفضائيات وهذا الامر شكل تحديا و هاجسا كبيرا لايران الشيعية  فوصفته ب الاجتياح الثقافي ووقفت بقوة ضد هذا المخلوق العظيم العجيب المسمى "ستلايت" لكن صغر حجمه وسهولة تركيبه واستخدامه تغلب على منع الدولة فاعتبرت ايران متخلفة بهذا الخصوص وبعد ٢٠٠٣ ادركت ايران مرة اخرى الخلل بفقدان الاعلام رسالته و صورته الشيعية الواضحة ورافقها حاجة الشيعة في العراق ، البلد ذي الاغلبية الشيعية الذي تخلص من اعتى واشرس جهاز قمعي على مختلف المستويات ، الى فضائيات وليست فضائية في بلد متنوع الطوائف والقوميات والمنفتح بقوة السلاح وارادة التحولات الاقليمية والمحلية فكانت فرصة حقيقية لايران لاختبار برنامجها وسياستها الجديدة القديمة ذات البعد المذهبي فساهمت بشكل فاعل في ايجاد قنواة شيعية سواء بدعم مباشر او دعم لوجستي وادت هذه الحركة الى تمكين احزاب وحركات على امتداد الرقعة الشيعية في العالم ويكفي ان حزبا كحزب الدعوة الذي يمتلك لكل شق فيه فضائية بذاتها ممولة وتدار من قبل قادة الحزب المنشقين او المنقسمين ، رافقها جهود جهات دينية وشخصية هنا وهناك في الدخول في معترك الاعلام المتنوع  فالتجربة بدت مغرية وتحتاج الى من يديرها او يشرف عليها ويضع لها خطوطا عامة ، فاعلن عن تشكيل اتحاد الاذاعات والقنوات الاسلامية بدعم وتاييد واضح من قبل جمهورية ايران الاسلامية ويقوم الاتحاد برعاية قرابة ٧٠ قناة فضائية لمختلف الدول من ادنى الارض الى اقصاه واكثر من ١٥٠ اذاعة شيعية او قريب منها   .. هذا الاسطول الاعلامي  الهائل بالاف الاعلاميين العاملين شكل صوتا للتيار الشيعي او المتعاطف مع ذلك التيار وان بألوان مختلفة ، لكن سرعان ما تبين الخلل في مكان اخر.

فهذه القنوات التي تعددت اختصاصاتها السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية دخلت سوق المنافسة الشرسة والمحمومة وهي بحاجة الى صحفيين واعلاميين متمرسين  والى انتاج كبير يغطي مئات الساعات ولاحقا الى كيفية انتاج عالية تحافظ على نسبة عالية من المشاهدين، فاكاد اجزم وحتى بداية الربيع العربي كل هذه المؤسسات باجمعها كانت لا تعني شيئا امام الاخطبوط الاعلامي الاخباري الذي احتكرته الجزيرة والعربية ومجموعة ام بي سي بما يزيد عن ٨٥٪ من مشاهدي العالم العربي

 وهذا الربيع المشوه حول ربيع القنواة المذكورة خريفا وربيعا للقنواة المهمشة والشيعية  فقناة "الميادين" شكلت ظاهرة استطاعت كسر هيمنة الجزيرة والعربية اخباريا، وبدأت بعض القنوات والمواقع الشيعية ايضا تأخذ بعداً وان متفاوتا في الاداء ، هذه القناة (الميادين) استفادت من نقطة هامة اهملتها كل الفضائيات الشيعية برمتها - والتي طالما نوهتُ اليها - وهي؛ الاستفادة من الوجوه الشيعية الاعلامية المعروفة والمنتشرة في الفضائيات الشهيرة والمنافسة كالجزيرة والعربية وبي بي سي وأم بي سي ، فلا شك ان هذه المؤسسات الرائدة تمتلك اضعاف ما يمتلكه الاعلام الشيعي مجتمعا من خبرة واداء وقدرة على التواصل مع المؤسسات والدوائر الإعلامية والسياسية المؤثرة في صناعة الرأي العام العالمي والإقليمي والمحلي، للاسف ان القيمين على بعض مؤسسات الاعلام الشيعي حجموا دور مؤسساتهم  بادائهم تارة ، وبرؤيتهم الغير واسعة تارة اخرى ، واحيانا كثيرة لعدم امتلاكهم المال والامكانيلت اللازمة لتمشية هذه الفضائيات وحولوا قنواتهم ومؤسساتهم الى قنوات تمجدهم وتمدحهم وتروج لصورهم بطريقة مباشرة وسمجة، ولكن بقيت مسئلة الاعلاميين المحترفين والانتاج الاعلامي النقص الأبرز لجعل هذه الفضائيات في الطليعة وانتقالها من مرحلة المؤسسات العرجاء الى مؤسسات قوية ومؤثرة تقوي وتقوم وترتقي وتنقد لتبني لا لتهدم