إلى أين تتجه الاعتصامات في الانبار، ؟سؤال يطرح نفسه على كل الذين يراقبون الوضع في العراق ،بخاصة وبعد الاحتجاجات المستمرة في المناطق الغربية ؟؟؟ وبظل الحملة العسكرية التي تنفذها الحكومة العراقية ضد  الانبار بات واضحا إلى أين تتجه الاعتصامات  فيها؟؟؟  لابد من الاعتراف بان الانبار مدينه يسود فيها الطابع العشائري وحتى الإنسان الذي يحمل شهادة عليا فيها لا يستطيع أن يخرج عن مجتمعه وتقاليد العشيرة، واكثر من ذلك، إن العشيرة الواحدة فيها أكثر من شيخ، وهذا هو السبب الذي يجعل كل شيخ لا يقبل بأي تفاوض من قبل شيخ أخر. فالتظاهرات خرجت بالأساس بسبب زيارة وزير المالية رافع العيساوي إلى محافظته وتحدث في خطبة طويلة كيف أهين ودخل الجيش لاعتقال حمايته الخاصة ، هذه الرواية التي فجرت الانبار وخرجت ولم تهدأ حتى الآن ،وقتها كان المالكي أمام مشكلة كبيرة وهي تورطه في صفقة الأسلحة الروسية، وكان هناك حراك لدعوته إلى البرلمان ولاستجوابه حول صفقة الأسلحة و تورط ابنه أيضا ، فكانت تظاهرات الانبار وخلطت كل الأوراق و تأجل كل شيء. . استمر رافع العيساوي في منصبة على الرغم من مطالبته من أهل الآنبار بتقديم استقالته من الحكومة كشرط لدخول الساحة . لكن عدم تفاعل الناس مع هذا الحراك على أهمية الحقوق والمطالب المطروحة من المحتجين يعود بالأصل إلى : - بروز قادة للحراك من رجال الدين ورجال العشائر،وكذلك استخدام ساحات الاعتصام من قبل أشخاص غرباء لهم أهداف مختلفة عن مطالب الناس كـ "القاعدة". - إن تعرض وفد عشائر الجنوب القادم للمشاركة في تظاهرات الانبار للاعتداء والضرب من بعض المحتجين كان حاجز في التواصل بين المحافظات . -غياب الشخصيات الوطنية والقومية وعدم المشاركة من الطوائف خوفا من المندسين . - تدخل الجهات الخارجية من اجل إزعاج الحكومة وخصوصا المالكي لمكاسب ذاتية. - سيطرة الخطاب ذات التوجه المذهبي على المشهد السياسي والذي استخدمه المالكي بطريقة غير مسؤولة وغير معتدلة ضد المتظاهرين و اتهمهم باتهامات لا تجوز أن تخرج من مسؤول. - تعامل ساحة التظاهر بتعصب واطلاق بعض الشعارات ذات اللون الطائفي ضد الشيعة. بالرغم من إن الخطاب كان دعاية انتخابية رخيصة لهؤلاء المسؤولين الذين لم يقفوا دقيقة حداد واحدة على ضحايا مجزرة الحويجة ، لأنهم كانوا في بداية الدورة الانتخابية وليس نهايتها ،إلا أن هذا الخطاب جعل الموضوع يظهر على انه حالة صراع سني – شيعي.. فالتظاهرات التي انطلقت قبل عامين و شارك فيها العراق كله حيث طالبت بتحقيق حقوق المواطن وتوفير الخدمات ، و لان العراق بالكامل شارك في التظاهرات فالمالكي وعددا من الوزراء في حينها كرروا أكثر من مرة أنهم مستعدون للاستقالة إذا كان هذا الأمر يرضي المتظاهرين، وفي الوقت عينه، عملت الحكومة بأمرين: - العقاب و طبعا بالقتل لعدد من النشطاء في التظاهرات وبأساليب الترهيب عن طريق القوى الأمنية . و الثاني سارت الحكومة على مبدأ الثواب، حيث اختارت مجموعة من المخبرين للعمل ضد المتظاهرين داخل التظاهرات ،إلا أن الاعتصامات الأخيرة في الانبار كانت مختلفة و بكل المقايس. لقد طالب المتظاهرون بإقالة المالكي من اجل تحقيق المطالب، مستندين في ذلك إلى موقف العراقية و المجلس الأعلى (عمار الحكيم ) و التيار الصدري ( مقتدى الصدر)، و الحزبين الكرديين ( الطالباني و البرزاني )، وأيضا تمت دعوات شفهية من خلال المحامين في الانبار ، لقد اعتمد أهلي الانبار من جديد على التصريحات الإعلامية، بالرغم من إن المطلوب سهل جدا كل هذه الجهات تستطيع بجلسة واحد في البرلمان إقالة المالكي و حكومته أو على الأقل يستطيع التحالف الذي ينتمي له المالكي تغيره إذا كانوا جادين في مواقفهم. فإذا وحد الشعب صفوفه و أرسل وفداً منه لطلب ذلك من هذه الجهات ، لكن هذه القوى ما تقوم به هو الضغط على المالكي للحصول على تنازلات أكثر من أجلهم، وليس من أجل الشعب المحتج .لا من احد يسمع من القائمين على التظاهرات بالرغم من محاولة المحللين والأخصائيين إيصال رسائل لقيادة الحراك لعدم الاعتماد على المعارضة لأنها مواقف ضعيفة جدا، فان البرزاني يستغل أي فرصة للضغط من اجل الحصول على اكبر عدد ممكن من الامتيازات لتحقيق حلم دولة كردستان ، و مقتدى الصدر يأخذ التوجه من إيران ففي أي لحظة يمكن إن يغير موقفة و علاوي لا يستطيع فعل شيء وأيضا لا احد يسمع ؟ و النتيجة هي مزيدا من قتل الأبرياء الذين ذهبوا ضحية مجزرة الحويجه إلا أن البرزاني استغلها بكل قوة وادخل البشمركة إلى كركوك عاصمته التاريخية لان الحويجه تابعه إلى كركوك لم يخرج منها إلا بعد اتفاق حصل مع الحكومة وترك الآخرين؟ الانبار تطالب بالإفراج عن المعتقلين، والحكومة تقول إنها أخرجت معتقلين ؟والحقيقة ضاعت بين الطرفين والمطلوب بان تشكل لجنة حقوقية تكتب أسماء المعتقلين و تطالبون الحكومة بإطلاق سراح هذه الأسماء و معرفة مصير الأشخاص المفقودين لكي تحرج الحكومة في تحقيقها ، خصوصا إن الحكومة أخذت من بعض المطالب ذريعة لاتهام المتظاهرين بان مطالبهم مطالب "البعث" و أحيانا القاعدة. فقادة التظاهرات لا ترغب ببقاء المالكي مدة جديدة، فان خرج المعتقلون يجعل الناس ينتخبونه مرة أخرى ؟ لكن ما ذنبه المعتقل الذي يعاني في المعتقل. هذه العقلية التي تقود التظاهرات و حتى المناظرات التي تكون بين المتظاهرين و بين مندوب الحكومة يخرج الشيخ مندوباً للتفاوض " الشيخ علي حاتم"، ويبدأ في الهتاف والخروج عن الموضوع فهو يصلح لقيادة مظاهرة، فالتفاوض يحتاج لشخص دبلوماسي والجميع يعرف ذلك ولكن لا بديل عنه، علما بانه دخل انتخابات عام 2010 مع المالكي و لا احد يعرف لماذا خرج من القائمة. . إن الصفة والطابع الذي اتصفت به تظاهرات الانبار وبمساعدة القادة السياسيين و توقفها في الموصل وشبه المتوقفة في صلاح الدين كل ذلك جعل الانبار تبقى في التظاهرات لوحدها و خصوصا بعد التطورات الأخيرة في العلاقة بين الأكراد و المركز و الأطراف الأخرى . المالكي يقول انه حاول التفاوض و المتظاهرين رفضوا فهناك من يدفع بالاستمرار بهذا الشكل و خصوصا بعض الدول والجهات الخارجية وتحديدا قطر .لقد رفض المتظاهرون أن يتولى السياسيون مسؤولية التفاوض عنهم ثم رفضوا رجال العشائر ثم رفضوا تدخل رجال الدين و أخيرا محاولة نقابة المحامين على اعتبار أنها نقابة مهنية لا علاقة لها بالدولة والسياسة ووافق المتظاهرون أو على الأصح قياداتهم. لكن المتظاهرين رفضوا تفويض المحامين. الناس جادين في طلب الحقوق واحترام حقوق الإنسان لكن نخشى أن تذوب المطالب مع الأيام وخصوصا إن جهات كثيرة خارجية تدفع ليبقى الوضع على هذا الشكل دون تحقيق أي شيء. . لعل المشكلة التي تعاني منها مظاهرات الإنبار والمحافظات الأخرى هي عدم الدعم الفعلي والتنسيق فيما بينها مرتبطة بأجندة عراقية وطنية تبعد الشبه عن الحراك بأنه مدعوم من الخارج من اجل الضغط على المالكي، ولإخراج إيران من المعادلة السياسية وعدم الارتهان للخارج .  في ظل غياب التوافق على مشروع مستقبلي يحافظ على العراق كدولة ذات سيادة مستقلة ، يبقى الهدف أمام الجميع إخراج إيران بجهد عراقي دون إن يبدل الاحتلال الإيراني بأخر تركي ...الخ". لبد من مشروع عراقي وطني يساهم بخروج إيران من العراق وبجهود عراقية لا تدخل فيها مظاهرات الانبار نفق مظلم يكون نهايته تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ مذهبية طائفية أو العودة إلى الصراع المذهبي الذي يفتت العراق لتكون دولة فاشلة كما حال الدول الأخرى المتناحرة . د. خالد ممدوح العزي كاتب وصحافي من لبنان