على وقعِ شدّ الحبال الأميركي ـ الإسرائيلي على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، يحبس العالم أنفاسه في انتظار نتائج جولة التفاوض الجديدة في 15 آذار الجاري في جنيف، بعد جولة رابعة في مونترو السويسرية أمس بعد ساعات من خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس.

وفيما نُقِل عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أنّه يجب حلّ تحدّيات صعبة قبل إبرام اتفاق بحلول مهلة 31 آذار، قال وزير الخارجية الاميركية جون كيري، عشيّة توَجّهه الى السعودية لنقلِ تطمينات بلاده الى الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ وليّ العهد الأمير محمد بن نايف، ووزراء خارجية دوَل مجلس التعاون الخليجي بأنّ أيّ اتّفاق مع طهران لن يهدّد الاستقرار في المنطقة: «إنّ هذا الاتفاق يجب أن يَحظى بموافقة المجتمع الدولي»، في وقتٍ أعلن الرئيس حسن روحاني أنّه لن يقبل بأيّ اتفاق ينال من حقوق الشعب الايراني، ووصف رئيس مجلس الشورى الاسلامي علي لاريجاني كلمة نتنياهو في الكونغرس «بالاستعراض والمسرحية السياسية».

مجلس وزراء

وعلى المقلب اللبناني حبسُ أنفاسٍ من نوع آخر، حيث ستشكّل جلسة مجلس الوزراء اليوم محطة لاختبار نيّات الجميع بعد الهزّة التي تعرّضت لها الحكومة أخيراً عندما رفعَ رئيسها تمام سلام جلسة 12 شباط الماضي، رافضاً الدعوة الى جلسة أخرى قبل البحث في آليّة عملٍ جديدة، وذلك قبل ان يكتمل البحث في جدول الأعمال المؤلف من 42 بنداً.

ومن المقرّر أن يستهلّ سلام جلسة اليوم بتجديد الدعوة الى كلّ مَن يَعنيه الأمر بالسعي الى انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل ان يتحدّث عن مفهومه لشكل العمل الحكومي وفق ما يتصوّره عقب الأزمة الأخيرة، متمنّياً على الجميع ترجمة ما تبلّغَه من نيّات طيّبة واستعدادات لحماية الحكومة وتضامنها بالحدّ الأدنى لعبور المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة وتسيير شؤون الناس الحياتية.

وقالت مصادر وزارية مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّه وفي حال استوى الجوّ الحكومي وتمّ التوافق على عرض رئيس الحكومة فإنّ المجلس سيستأنف البحث في بنود جدول الأعمال من البند 17 وما فوق، وتوقّعَت أن يتطرّق البحث من خارجه الى الوضع الأمني ونتائج الخطط التي بوشِر تنفيذها في أكثر من منطقة في البقاع ومناطق أخرى من لبنان، وفي التعيينات في رئاسة «لجنة الرقابة على المصارف» وعضويتها بعدما اقتربَ موعد انتهاء ولايتهم في 11 الجاري. وعليه سيقترح وزير المال علي حسن خليل أسماءَ اللجنة الجديدة على الوزراء في اعتبار أنّ الجلسة المقبلة للمجلس ستكون قد تجاوزَت في موعد انعقادها نهاية ولايتِهم وسيحلّ الشغور فيها.

برّي

وعشية الجلسة، أملَ رئيس مجلس النواب نبيه بري في «أن يُستأنف العمل الحكومي بوتيرة أفضل، لأننا بحاجة الى التصدّي لكثير من المشاكل والملفّات، وللتعويض عمّا أصاب عمل الحكومة في الأسابيع الاخيرة».

لقاء الجميّل ـ سلام

وتأكيداً على تضامن وزراء حزب الكتائب وزملائهم في «اللقاء التشاوري» مع سلام ودعمه في إحياء عمل الحكومة في أفضل الظروف، لبّى رئيس الحزب أمين الجميّل دعوة سلام الى الغداء في السراي الحكومي، وتمّ البحث بالملفات الأمنية والسياسية والإقتصادية المطروحة على اللبنانيين وصولاً الى الإستحقاقات التي تعيشها المنطقة، وتردّداتها على الساحة اللبنانية.

وبعد اللقاء شدّدَ الجميّل على أن «لا خيار أمامنا إلّا تصحيح الوضع على الصعيد الحكومي في أسرع وقت»، وقال: «الحَمد لله ستُعقد جلسة لمجلس الوزراء، وآمل في أن يحصل في مستهلّها تشخيص لواقع الحال من حولنا، ونأخذ الإجراءات اللازمة كحكومة لعودة حضور لبنان على الساحة الدولية والدفاع عن حقّه ونظامه في مواجهة كلّ المخاطر المحدِقة في المنطقة».

سلام مرتاح لزيارة الجميّل

وليلَ أمس عكسَت مصادر سلام ارتياحَها الى زيارة الجميّل، وأكّدت أهمّية اللقاء وشمولية البحث الذي تناولَ مختلف التطورات المحلية والإقليمية وانعكاساتها على الوضع في لبنان، بالإضافة الى ملف إحياء النشاط الحكومي من اليوم. وقدّرت المصادر موقفَ الجميّل ووزراء الكتائب و»اللقاء التشاوري» من الرئيس سلام وأدائه.

الجميّل لـ«الجمهورية»

ومساءً عبَّر الجميّل لـ«الجمهورية» عن ارتياحه الى مضمون اللقاء «بعد كلّ المخاض الذي مرَرنا به»، وقال: «لقد تراكمَت الأمور وانتهينا الى ما يمكن اعتباره أحسن حال، فكان لقاءً طويلاً وشاملاً، لم نوفّر فيه أيّ ملف يعني اللبنانيين على كلّ المستويات، ونحن على تفاهم كامل ونتمنى أن تسير الأمور وفق ما تشتهي أكثرية اللبنانيين، ونحن منهم».

ولفتَ الى أنّه تحدّث مع سلام بـ»صراحة» وقال له: «ما يهمّنا دولة الرئيس نجاحكم في الحكومة، فمصلحة البلد تتحقّق بنجاح أيّ مسؤول في أيّ موقع كان، في رئاسة الحكومة أو في وزارته أو في مجلس النواب، لكن الحلقة ستبقى ناقصة ولن تكتمل إلّا بانتخاب رئيس الجمهورية، فهو مفتاح الإستقرار في البلد وانتعاش المؤسسات وضمان وحدتها، ولا تستتِبّ الأمور من دون وجوده».

وكشفَ الجميّل: «تناوَلتُ النقاش الدائر حول مضمون المادة 65 من الدستور والتي تحدّد آليّة العمل في مجلس الوزراء، وأجريتُ قراءةً في مضمونها عندما نعطفها على المواد الأخرى، خصوصاً التي تقول إنّ مجلس النواب يتحوّل هيئة ناخبة في الأيام العشرة الأخيرة من نهاية ولاية رئيس الجمهورية ويفتقد دوره التشريعي، فكيف الحال وقد انتهَت ولاية الرئيس ومرّت شهور ولم ننتخب رئيساً آخر؟ فكيف لا يكون هذا المجلس - كما يقول الدستور- في حال انعقاد دائم ولا يقوم بأيّ عمل آخر حتى إتمام هذه المهمّة»؟

وأضاف: «إذا كان مجلس النواب في حال الشغور الرئاسي هيئةً ناخبة ولا يقوم بأيّ عمل آخر، فكيف سيكون حال الحكومة؟ وهل يمكن ان تعمل بلا أيّ رقيب، أو مَن يحاسب إذا كان المجلس عاجزاً عن ذلك؟، ما يعني أنّ دورها معطّل الى حدّ بعيد؟

ألا يدعونا ذلك إلى وقف كلّ الإهتمامات الأخرى وانتخاب رئيس الجمهورية قبل القيام بأيّ عمل آخر؟ لذلك، في غياب الرئيس لا قيمة للمادة 65 من الدستور ولا مفاعيل لها، ولذلك فإنّ تفسيرَها على نحوِ ما يفعل البعضُ اليوم يكون صائباً، لو كان ذلك في ظروف عادية، أمّا اليوم فالمقارنة لا تجوز في غياب الرئيس.

فمجلسُ النواب هيئة انتخابية، والمفروض بنا وبالجميع في كلّ المؤسسات الدستورية ان نجنّد كلّ طاقاتنا لإنتخاب الرئيس، ولا يمكن للبعض التمادي بالعمل وكأنّ وجود الرئيس أو غيابه سيّان».

وقال الجميّل إنّ الأولوية اليوم هي لانتخاب الرئيس، والتأقلم مع الشغور الرئاسي جريمة وخطير جداً، وإذا كان الإستغناء عن الرئيس قد يطيب للبعض الراغب في تغيير المعادلة القائمة، فإنّ غيابه يهدّد البلد ومؤسساته، خصوصاً في ظلّ الغليان المذهبي الذي تعيشه المنطقة».

الاستحقاق الرئاسي

رئاسياً، لم تخرج عقدة انتخاب رئيس جمهورية جديد - والتي ذكّرَ برّي بموعد الجلسة الانتخابية الجديدة المخصّصة لها في الثانية عشرة من ظهر الأربعاء المقبل 11 الجاري - من عنق الزجاجة بعدُ، وبالتالي لا مؤشرات إلى إمكان اكتمال النصاب خلالها وانتخاب الرئيس العتيد.

المرّ في الفاتيكان

وكان الاستحقاق الرئاسي من بين مواضيع البحث التي تناوَلها رئيس مؤسسة الإنتربول الياس المر في محادثاته التي أجراها في الفاتيكان أمس مع قداسة البابا فرنسيس الأوّل، وخلال اجتماع عملٍ عقدَه مع رئيس وزراء حاضرةِ الفاتيكان الكاردينال بياترو بارولين.

كذلك ترَكّزَت المحادثات على المخاطر وِالتهديدات الوجودية التي تواجِه المسيحيين في الشرق، والتعاون مع الكرسي الرسولي لحماية التراث الديني في العالم من خلال خطة استراتيجية وضعَها الإنتربول لهذا الهدف.

وبعد الاجتماع قال المر: «سلّمتُ دولة الفاتيكان مشروعاً متكاملاً على الصعيد العالمي، أعَدّه الإنتربول بهدف حماية الإرث الديني، وسيتمّ درسُه في أسرع وقت بهدف وضعِ آليّة مشتركة بين الفاتيكان والإنتربول، وضبّاط ارتباط لتحقيق أهداف هذا المشروع الذي أبدى الكاردينال بارولين أهمّيةً قصوى حياله. وهذا المشروع، أي حماية الإرث الديني، لا يتعلق بطائفة معيّنة وإنّما يهدف الى حماية الإرث الديني لكلّ الطوائف وفي كلّ أنحاء العالم، وهو يحظى باهتمام كبير من الإنتربول».

وأضاف المر: «كذلك تطرّقَ البحث إلى الوضع المسيحي في الشرق وسُبل مواجهة ما يعانيه أبناء المنطقة عموماً والمسيحيون المشرقيون خصوصاً، مِن تهديدات إرهابية ومخاطر على أرواحهم وممتلكاتهم، الأمرُ الذي يدفعهم إلى النزوح والتهجير، ويُفقِد المنطقة خِيرةَ بناتها وأبنائها ويهدّد تاريخاً من العيش المشترَك والإرث الحضاري والثقافي والإنساني. ومِن هذا المنطلق، تطرّقَ البحث إلى الوضع اللبناني وخطورة الشغور في موقع الرئاسة الأولى. وتمَّ التوافق على استمرار التواصل في شأن هذه الملفات».

مظلوم

وفي المواقف، أكّد النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم لـ»الجمهورية»، ردّاً على سؤال إذا كان هناك مِن مسعى جديد مرتقَب لبكركي لجَمع الأقطاب الموارنة الأربعة، أنْ «لا شيء من هذا القبيل في الوقت الراهن»، لافتاً إلى أنّ رأي غبطة البطريرك الماروني في الملف الرئاسي معروف، وهو يعبّر عنه في كلّ المناسبات».

وجدّدَ مظلوم المطالبة بضرورة الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقتٍ إضافةً إلى الاستحقاقات الأخرى، مشيراً إلى أنّ كلّ العراقيل التي تحصل في الدولة اللبنانية سببُها الأساسي عدم انتخاب رئيس جمهورية، لذلك نطالب بانتخاب سريع في أقرب وقت ممكن لكي تستقيمَ أمور الدولة».

وعن معاودة عجَلة العمل الحكومي، قال مظلوم: «أمرٌ طبيعي أن تستأنف الحكومة اجتماعاتها وأن تقوم بما أمكنَ لخدمة الشعب وتأمين مصالحه، الخِلاف كان حول آليّة اتّخاذ القرار، وكان هناك نيّة لتعديل آلية عملها التي اتّفقوا عليها في السابق، وفهِمنا أنّهم تراجعوا عن هذا الأمر وظلّت الآلية على ما كانت عليه، وبالتالي لا شيء عملياً تبدّل. فأن تعاود الحكومة اجتماعاتها أمرٌ طبيعي».

وعن الحوارات الداخلية، قال مظلوم: «نحن نشجّع على الحوار ونبارك كلّ حوار ونتمنّى ان يصل المتحاورون الى نتائج، فهمنا أنّ المتحاورين تفاهموا على قضايا عدّة، كالعلاقة بين الحزبَين وتخفيف التشنّج، لكن بالنسبة إلينا أيّ حوار أو أيّ نشاط، مهما كان مفيداً في الوقت الحالي ولا يصبّ في انتخاب رئيس جمهورية يبقى قاصراً عن بلوغ هدفه، لأنّ الهدف الأساسي لكلّ حوار ونشاط يقومون به هو الوصول الى انتخاب رئيس جمهورية، ونتمنّى أن تستمر هذه الحوارات وأن تتطرّق إلى الموضوع الأساسي وأن يتوصّلوا إلى هذه النتيجة في أقرب وقت ممكن».

ورفضَ مظلوم تسليط الضوء على اجتماع لجنة حوار «حزب الله» مع بكركي الذي انعقدَ أمس الأوّل في الضاحية الجنوبية لبيروت، مشدّداً على أنّ مداولات المجتمعين ليست للإعلام، واللجنة تجتمع منذ نحو عشرين عاماً ضمن إطار الحوار العادي».

الحوض الرابع

وتزامُناً مع الانشغال بالهَمّ الحكومي وترميم الحكومة السلامية، عاد ملفّ ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت إلى الضوء. وتوقّفَت مراجع معنية أمام ما توفّرَ لـ«الجمهورية» من معلومات عن زيارة رئيس الهيئة الموَقّتة لإدارة المرفأ حسن قريطم إلى بكركي اليوم للقاء النائب البطريركي العام المطران بولس صياح حاملاً ملفّاته إليه للدفاع عن قرار الهيئة بردمِ الحوض، حيث مِن المقرّر أن يواجهَه صيّاح بالموقف المتشدّد لممثّلي الأحزاب المسيحية من هذا الملف.

وكانت بكركي استضافت اجتماعاً لممثّلي القوى المسيحية التي تتابع هذا الموضوع، وتضمّ كلّاً من: «التيّار الوطني الحر»، الكتائب، «المرَدة»، «القوات اللبنانية»، والطاشناق. وقد أصدرَ المجتمعون بياناً كرّروا فيه الثوابت المتعلقة بمصير المرفأ ودوره.

وعلمَت «الجمهورية» في هذا الشأن، أنّ الاجتماع ومضمون البيان الجامع الذي أكّد وحدةَ الموقف من الملف كان رسالةً موجّهة إلى كلّ مَن يعنيه الأمر أنّ الموقف على حاله، وكان رًدّاً على التسريبات التي بدأت تُنشَر في الإعلام، وتدَّعي أنّ أطرافاً في لقاء بكركي بدّلوا مواقفَهم حيال هذه المعارضة لعملية الردم، وليدحضَ كلّ الشائعات في هذا الصدد.

كذلك هدفَ الاجتماع إلى التذكير على أنّ تجميد الردم، لا يعني أنّ المسألة قد حُلَّت، وأنّ المطلوب تحريك الملفّ في اتّجاه وضع حدّ نهائي للمشروع والتوافق على مشروع جديد يمنح مرفأ بيروت الدورَ الذي يستحقّه.