كتب ابراهيم ناصر الدين في صحيفة "الديار": الليل الأمني الطويل الذي قامت به قوى الامن الداخلي مساء امس في الضاحية الجنوبية لبيروت، ربما هو الاضخم منذ سنوات، وهو يأتي استكمالا لقرار حاسم اتخذته الاجهزة الامنية كافة، بغطاء سياسي غير محدود لمكافحة الخارجين عن القانون على اختلاف مشاربهم وارتكاباتهم...الحملة تكثفت في الاسابيع القليلة الماضية وهي تأتي في سياق خطة مبرمجة متدرجة لن تتوقف الا حين يتم القضاء على كافة المتورطين من "رؤوس كبيرة" وافراد "صغار" استفادوا سابقا من تراخي امني غير مبرر.


اوساط امنية متابعة لهذا الملف، تشير الى ان لدى الاجهزة قائمة طويلة بالمتورطين في عمليات تجارة المخدرات وترويجها، ومتزعمي العصابات المسلحة التي تفرض الخوات على المواطنين، وعصابات السرقة وغيرها من العصابات المتورطة في الاخلال بالامن، ويجري العمل على ملاحقتهم وتوقيفهم لان ثمة قراراً باقفال هذا الملف بشكل نهائي، والقضاء على كافة "البؤر" الخارجة عن القانون، ولن يلقى هؤلاء اي نوع من الاحتضان "العشائري" او "العائلي" لان من يعنيهم الامر ابلغوا بشكل حاسم بأن اي تدخل لحماية هؤلاء سيكون كتورط مباشر في الجرم المرتكب، ولن يبقى احد خارج المساءلة القانونية. وفي هذا السياق تلمس القوى الامنية تعاونا كاملا من قبل تلك الفعاليات التي لا تقبل تغطية اي مخل بالامن.

وتنصح تلك الاوساط المتوارين عن الانظار بتسليم انفسهم قبل فوات الاوان، لان الرهان على الوقت لم يعد يجدي نفعا، ومن يوهمهم بأنه سيكون مشمولا بالعفو الذي يطالب به البعض فهو "واهم" لان هذا العفو اذا ما اقر، لن يشمل المرتكبين والمتورطين في الجرائم، او عمليات التعدي، والقتل، والسلب، او السرقة الموصوفة، وتجارة المخدرات، وغيرها من الارتكابات الجنائية، الحملة مستمرة «ورؤوس كبيرة» ستتهاوى في الايام والاسابيع المقبلة وستكون لها انعكاسات ايجابية على مجمل الاوضاع العامة في البلاد.

ووفقا للمعلومات، فان الحملة لم تبلغ الذروة بعد، فما جرى حتى الان اسقط "الكثير" من "الاقنعة" ومحاولات التلطي وراء حجج واهية كانت تحول دون ملاحقة هؤلاء، ويتضح من سير الامور انه لم يكن هناك اي غطاء سياسي يحمي هؤلاء، ولم تكن لهم اي بيئة حاضنة، بل اتضح من خلال ردود الفعل الايجابية ان هذه البئية كانت اكثر المتضررين من وجودهم.. عندما حسمت الدولة امرها لم تجد الا الترحيب والتعاون "المثمر" الذي ادى حتى الان الى نتائج جيدة جداً.

ومن المفيد التذكير ان هذه الحملة تختلف عن سابقاتها، المناخ السياسي في البلاد تغير وبات تعامل الاجهزة المعنية في غاية الجدية، مع العلم انه قبل سنوات كان احد الاجهزة الامنية، ليس مخابرات الجيش بالطبع، يعتقل تجار المخدرات والمطلوبين لفترة محددة ثم يطلق سراحهم «فجأة» ليكتشف بعد ذلك المعنيون ان هؤلاء باتوا مخبرين امنيين مكلفين مهاماً "مشبوهة"، لكن هذه المرحلة تم تجاوزها ويلمس الجميع التعاون المثمر بين مختلف المعنيين للقضاء على كل تلك الظواهر.

وفي هذا السياق، تذكر اوساط مطلعة على هذا الملف، بأن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تطرق في المجلس العاشورائي في تشرين الاول 2016 الى آفة المخدرات وتعاظم مخاطرها وضرورة مواجهتها، محذرا من كارثة عظيمة جدا بعد ان بات عدد المدمنين على المخدرات رقماً مرعباً. طالبا من الدولة ان تكمل مسؤوليتها من خلال خطة كاملة متكاملة... بعدها بساعات وضع السيد نصرالله النقاط على الحروف خلال كلمته لاهالي البقاع معلنا ضرورة العمل على تنظيف البقاع من المجرمين والخارجين عن القانون، وتحميل القاتل وحده مسؤولية الجريمة لا أهله وعائلته، ورفع الحماية عنه وعن اللصوص، محملا القيادات والنخب المسؤولية لانه لا يمكن تحميل الدولة المسؤولية فقط، وطلب حينها بالعمل على وضع حد لجميع الخارجين عن القانون.

وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى انه في الاسابيع القليلة الماضية تم تنفيذ 30 مهمة امنية كبيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، منها تسع مداهمات وتوقيفات تتعلق بعصابات المخدرات، وتنوعت المهامات الاخرى بين القاء القبض على عصابات سرقة، واخرى تفرض خوات، وتروع الاهالي في المنطقة، ومتهمين باطلاق نار والقيام بمراهنات وقمار غير شرعي... وفي السياق نفسه نفذت استخبارات الجيش اللبناني وحدها98 مهمة امنية في مختلف مناطق البقاع، بينها 30 مداهمة كبيرة اهمها البدء بمطاردة علي نصري شمص الذي خرج مؤخرا على قناة "بي بي سي" متفاخرا وهو يقول كما تصدر الينا اوروبا واميركا الارهاب نحن نبيع لهم المخدرات، معتبرا انه "ما حدا بيسترجي يحكي معو"، لكن الزمن قد تغير، وقد تمت دهم مختلف الاماكن التي يمكن ان يتوارى فيها وما زال البحث عنه مستمرا، كما تتم ملاحقة نوح ز. المطلوب بالعديد من مذكرات التوقيف، فيما تم تنفيذ نحو 25عملية دهم داخل مخيمات النازحين السوريين.

اما ابرز خمس مداهمات في الضاحية، فحصلت الاولى قبل خمسة ايام حين تم اعتقال احد كبار تجار المخدرات المدعو ح .أ، والتوسع في التحقيقات كشف الكثير من المروجين الذين تتم ملاحقتهم، المداهمة الثانية بتاريخ 17\2\2017حين قامت مديرية المخابرات في الجيش بمؤازرة وحدة عسكرية مؤللة يدهم منزل المدعو فوزي .م. الناشط في ترويج المخدرات وقد بادر الى اطلاق النار على الدورية واصيب بجروح لكنه تمكن من الفرار، وتم ضبط ذخائر واسلحة، و6كلغ من المخدرات، بالاضافة الى تفكيك عبوتين ناسفتين بالقرب من مخبائه، وتم اعتقال خمسة افراد يعملون لحسابه بينهم مجند في الجيش اللبناني. المداهمة الثالثة حصلت بتاريخ25\2\2017 حين قامت دورية من مفرزة استقصاء جبل لبنان باعتقال علي.م. الذي يترأس عصابة ناشطة في فرض الخوات والاعتداء على المواطنين، وكذلك تورطه في قتل المواطن السوري خالد مصيطح خلال محاولة سلبه على طريق المطار، المداهمة الرابعة حصلت بتاريخ 26\2\2017 حين قامت وحدة خاصة من استخبارات الجيش بعملية امنية واسعة في محلة الجناح، وتم بالتعاون مع وحدات عسكرية القاء القبض على عشرة من اخطر المطلوبين بتهم ترويج مخدرات وسرقة، وفي 2\3\2017نفذ عناصر من استخبارات الجيش مداهمة كبيرة في حي السلم حيث تم توقيف عدد من المتهمين بجرائم قتل واطلاق نار، عرف منهم علاء م. وقاسم ك. وشقيقه محمد ك. المطلوب بتهمة اطلاق النار وترويع الآمنين.

هذه الحملة اذا ما استمرت وفق الزخم الراهن المتوقع ان يتصاعد، فإن ستة اشهر ستكون كافية لانجاز المهمات الكبرى في منطقة البقاع وضاحية بيروت الجنوبية، لا توجد "خيمة زرقاء فوق راس احد"، هذا الانجاز اذا ما استكمل سيكون احد اهم انجازات العهد والرئيس ميشال عون، كما بات واضحا ان القيادات الجديدة التي تم تعيينها على راس الاجهزة الامنية، وخصوصا قيادة الجيش، تضع هذه القضية ضمن اولوياتها، بالتوازي مع مكافحة الارهاب والتصدي للاعتداءات الاسرائيلية.

(ابراهيم ناصرالدين - الديار)