تمهيد: بدا سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه هذه الليلة واثقاً من العهد العوني بما لا يفتح مجالاً للريبة والشقاق بين التيار الوطني الحر وحزب الله بعد انتخاب الرئيس ميشال عون وتسلمه مقاليد الرئاسة الأولى، وبدا مُطمئنّاً إلى "حُسن سلوك" الرئيس في استقبالاته (بما فيها الخليجية) ،وزياراته المرتقبة لدول المنطقة القريبة، فلا موجب في رأيه لتعب البعض في محاولات زرع الفتن وبذر الشقاق بين التيار والحزب، ولا لتوهُّم نزاعات وخلافات لم تحصل ولن تحصل.
أولاً: ضرورة تشكيل الحكومة..
رفع السيد نصرالله مسألة تشكيل الحكومة إلى مصاف المهمة الوطنية المقدسة والملقاة على عاتق الجميع، وهذا يتطلب (من الآخرين) الترفّع عن الحسابات الضيقة، والعمل على تسهيل انطلاقة العهد، وتيسير شؤون الرئيس المكلف، طالما أنّ الجميع مُزمع على تشكيل الحكومة والمشاركة في بنيانها، وهو إذ يطالب بحفظ حقوق البعض المشروعة، والتي يطالب بها الرئيس بري والوزير فرنجية، يتنازل هو عن حصة وازنة أو حقيبة نافذة، ويدعو الآخرين للاقتداء به، وتجلى ذلك كله بنبرة هادئة، وزهد غير معهود، وحرص تام على المصالح الوطنية العليا للدولة والمواطنين على السواء. وظهرت الحمية الوطنية عند السيد في أجلى صورها بدعوته لإقرار قانون انتخاب قائم على النسبية، يؤسس فعلاً لقيام دولة يُراعى فيها سلامة التمثيل الشعبي لكافة التيارات والأحزاب والاتجاهات السياسية في البلد. وهذا الطرح لا يُناسب الأحزاب في رأيه (ومن بينها حزب الله)، إلاّ أنّه يضمن قيام دولة عادلة وقادرة على تلبية المطالب الشعبية، وترسيخ العدالة والمساواة لكافة أبناء الشعب اللبناني.
ثانياً: الاعتداد بالنفس والقوة ...
لم يخلُ الخطاب (وللأسف) من نزعة الاعتداد بالنفس، والتذكير بفائض القوة التي يمتلكها الحزب في المجالين الداخلي والإقليمي، فهو يمتلك حرية الحركة العسكرية بين لبنان وسوريا للانخراط في الصراع الدائر في سوريا، وقد خفتت، وحتى تلاشت دعوات انسحابه من هذا الصراع الدامي، لذا، لا بأس في إعطاء بعض الدروس "المجانية" للّبنانيين مجدّداً: دعكم من الرهان على الخارج، وتعالوا نغتنم فرصة تعزيز الاستقرار الداخلي، والاستفادة من بداية عهد جديد، يطمئن له الجميع. وتتالت النصائح الأخوية بعدم مقارعة الحزب في هذه المساحة الضيقة (التي اسمها لبنان) ، وقد جربتم معنا طوال سنتين ونصف في معركة الرئاسة، حتى أنزل الله هدايته عليكم، وأصبح عندنا رئيس للجمهورية، فلا تعيدوا الكرّة في تأليف الحكومة، لأنّه، وفي النهاية مآلكم إلينا ومصيركم بين أيدينا، وعلى قاعدة الاستحسان الفقهية: يُستحسن مبايعة حزب الله في الشأن اللبناني على السمع والطاعة، ولكم في التجربة العونية أسوةٌ حسنة، والله وليُّ التوفيق.