تتهدد الجزائر صراعات مذهبية خطيرة، أجبرت الحكومة على تسخير إمكانياتها البشرية والدعوية لتأمين حدودها وشعبها، من تغلغل أفكار وأيديولوجيات باتت تسرّع من وتيرتها، في إطار سياسة تصدير المذاهب وإدارة الصراعات بعيدا عن قواعدها التاريخية، ونقل المعركة إلى جغرافيا جديدة، تعد الجزائر واحدة من الجبهات المستهدفة طائفيا.
وأكدت مصادر متطابقة لـ”العرب” أن الحكومة الجزائرية تتجه إلى إصدار قوانين صارمة لتنظيم قطاع الشؤون الدينية وتحقيق ما تسميه بـ”الأمن الديني”، عبر تضييق الخناق على نشطاء مختلف التيارات والمذاهب الدينية، التي باتت تتسابق في الاستحواذ على المساجد ودور العبادة، تحسبا لنشر أفكار دينية ترتبط باثنين من المذاهب الدينية المتصارعة في المنطقة وهما السلفية والتشيع.

وقالت المصادر إن إجراءات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لتحصين المساجد، أفضت إلى تقليص أنشطة التيار السلفي الذي تراجع نفوذه في المواسم الدينية على غرار شهر رمضان.

ووجد أنصار التيار السلفي هذه السنة أنفسهم بعيدين عن التغلغل في المساجد عبر التطوع في الإمامة وعقد الحلقات والخطب الدينية، بسبب حرص أئمة المساجد والجمعيات الدينية على الالتزام بتعليمات الوزارة.

في المقابل لم تمنع تعليمات الوزارة نشطاء من المذهب الشيعي، من التوجه إلى مسجد في بلدة القادرية (70 كلم شرقي العاصمة)، لعرض أفكارهم على المصلين أثناء صلاة التروايح، وتوزيع منشورات ترويجية عليهم.


محمد بن زيان: الخيار الأمني ليس كافيا لإحلال الأمن الديني
وأثار هذا النشاط غضب المصلين، فقاموا بطردهم من محيط المسجد، وإبلاغ السلطات الأمنية المحلية بالحادثة غير المسبوقة، حيث جهر لأول مرة أنصار المذهب الشيعي بعقيدتهم، رغم أسلوب السرية والتخفي الذي تطبقه خلايا المذهب.

وتظهر التجاذبات السلفية الشيعية على تحويل الجزائر إلى ساحة صراع لاستقطاب الأنصار، حجم التحدي الذي يواجه الحكومة.

فإلى جانب مواجهتها للتشدد والتطرف الذي أفضى إلى حرب أهلية مطلع تسعينات القرن الماضي، توسعت دائرة الصراع أمامها ضد مذاهب ترتبط بدوائر أجنبية، وتتخذ من مدن وعواصم إقليمية قاعدة لها، وتحظى بدعم وتأييد أنظمة سياسية وجهات رسمية.

وشكلت التوصيات المثيرة للسفير العراقي في الجزائر عبدالرحمن حامد محمد الحسيني، لحكومة بلاده، من أجل تسهيل حركة المتشيعين الجزائريين الراغبين في الدراسة في الحوزات الدينية.

وبات التحرك المريب للملحق الثقافي في السفارة الإيرانية في الجزائر أمير موساوي، في مختلف المحافل الدينية والثقافية وفتحه لقنوات اتصال مع البعض من الدور الصوفية والزوايا، مثيرا للشكوك حول الدور الذي أنيط بهذا الرجل من طرف سلطات بلاده، وهو المعروف بتحكمه في شبكة خلايا شيعية سرية ناشطة خارج إيران.

وأشار الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد بن زيان، لـ”العرب”، إلى أن تفكيك الفكر المتطرف في الجزائر، حتم على السلطات الاستعانة وحتى دعم البعض من التيارات الدينية، خاصة الصوفية والسلفية.

وحذر بن زيان، من مغبة التشدد في التعاطي مع التيارات الدينية، والاعتماد الكلي على الخيار الأمني في تحقيق الأمن الديني، ودعا إلى الاستعانة بالتجارب الماضية، فكل محظور يتحول إلى فعل سري، وكل معالجة أمنية تقود إلى المزيد من التطرف.

وتذكر مصادر مطلعة، بأن عرابي المذهب الشيعي في بغداد وطهران، يراهنون على نقل معركة كسر العظم مع المذهب السني إلى منطقة شمال أفريقيا والجزائر تحديدا، من أجل محاصرة ما تراه تمددا غير مسبوق للتيارات السلفية في المنطقة.

وقال ناشط سري في المذهب الشيعي، رفض الكشف عن هويته لـ”العرب”، إن “الخلايا تحقق نتائج باهرة في استقطاب يومي للمريدين، وأن نشاط التشيع يركز على البؤر التي ينتشر فيها التيار السلفي بقوة، وحيثما حل هؤلاء سنكون لهم بالمرصاد”.

صابر بليدي: العرب