بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة تدمر، شرق محافظة حمص، المتصلة بباقي مناطق نفوذه في شرق سوريا والعراق، يوجه التنظيم الآن أنظاره، وفق عقيدة "التمدد"، نحو ريف المحافظة الشمالي، المعقل الوحيد المتبقي للمعارضة السورية المسلحة في حمص، إلى جانب حي الوعر شمال غربي المدينة.

وبات "داعش" على بعد عشرات الكيلومترات فقط من ريف حمص، في الوقت الذي بدأت فيه المخاوف تزداد من اجتياح التنظيم للمدينة، على الرغم من ترجيح البعض لتوجه التنظيم بعد تدمر نحو القلمون وغوطة دمشق، عوض حمص.

وبينما تتزاحم علامات الاستفهام حول ذاك الانسحاب السهل لقوات النظام من تدمر، الأمر الذي وصف بعملية "تسليم" تدمر لـ"داعش" وتزويده بشكل غير مباشر بالأسلحة التي تركت في مخازن النظام شمال المدينة، شرعت فصائل المعارضة السورية بريف حمص الشمالي في التأهب، خاصة أن التنظيم سبق له أن حرك خلايا نائمة في مناطق المعارضة، مفتعلاً مواجهات مع مختلف الفصائل المتواجدة في ريف حمص، على رأسها "جيش التوحيد" الذي شكل أخيراً، بالإضافة إلى كل من حركة أحرار الشام وجبهة النصرة.

وتستعد المعارضة السورية في حمص لمواجهة شرسة ترى أنها تلوح في الأفق مع "داعش"، عازية ذلك لصفقة ما قد يكون النظام السوري عقدها مع التنظيم، تنص على تسليمه تدمر بالسلاح المتوفر فيها لفتح طريق للمتطرفين نحو ريف حمص، وبالتالي تسخير "داعش" لدحر فصائل المعارضة وإنهاء وجودها في المدينة.

ورقة "داعش"

وفي تصريح لـ"العربية.نت"، قال مدير المكتب الخارجي لجيش التوحيد في ريف حمص الشمالي، أمين عبدالقادر، إن "النظام يتخذ من داعش ورقة للضغط على الثوار في حمص، فأكثر السيناريوهات واقعية تتجلى في تخطيط النظام لاستخدام داعش من أجل طرد الثوار من ريف حمص"، مرجحاً اتفاق النظام مع التنظيم المتطرف إما على انسحاب الأخير بعد ذلك، أو بقائه في المنطقة مهادناً للنظام.

وأوضح عبدالقادر أن "تسهيل دخول التنظيم إلى تدمر والسيطرة عليها بعتادها ما هو إلا مقدمة لفتح الطريق له نحو ريف حمص الشمالي لإنهاء وجود المعارضة في المدينة وخدمة مشروع التقسيم الذي يخطط له النظام كمخرج أخير له".

من جهته، اعتبر عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري، تيسير علوش، في حديث لـ"العربية.نت"، أن "حمص أهم عند النظام من العاصمة دمشق، إذ إنه يخطط لجعلها عاصمة لدولة الحل الأخير التي يخطط لإقامتها وفق مشروع التقسيم، لذلك ليس مستبعداً أن يلجأ لعقد صفقات غريبة في سبيل الإبقاء على المدينة تحت سيطرته".

ولحمص أهمية استراتيجية كبرى، فهي أكبر محافظات سوريا مساحة وتعتبر خزاناً بشرياً هاماً للنظام وممراً استراتيجياً إلى منطقة الساحل، كما أن لها منافذ على كل من العراق والأردن ولبنان، وتضم حقولاً هامة للنفط والغاز ومناجم للفوسفات في منطقة البادية التابعة لها. 

جيش التوحيد.. أول تجربة انصهار

في محاولة لتوحيد الصفوف، جاء تشكيل "جيش التوحيد" أخيراً بانصهار فصائل عدة من الجيش الحر في تلبيسة بريف حمص الشمالي، أبرزها تجمع ألوية الإيمان بالله، وألوية 313 وصقور تلبيسة، ولواء تلبيسة، وسيوف الحق التابع لغرفة عمليات تلبيسة، ولواء حماة العقيدة الذي انشق عن حركة أحرار الشام. 

وأوضح مدير العلاقات الخارجية في جيش التوحيد أن الأخير يضم حوالي 3000 عنصر، وينتشر على طول الجبهات مع النظام في ريف حمص الممتدة على 45 كلم، مشيراً إلى أن "التكتل العسكري الجديد يمتلك عتاداً لا يستهان به".

وأضاف عبدالقادر أن "الاندماج اقتضى أن يتخلى كل فصيل عن اسمه وأجندته، بعد أن وجدوا حاجة ملحة في توحيد الصفوف".

واعتبر تيسير علوش أن جيش التوحيد شكل سابقة، لكونه أول انصهار كامل لفصائل معارضة عديدة في سوريا، لافتاً إلى اختلافه عن جيش الفتح وتجارب أخرى اعتمدت على توحيد غرف العمليات فقط بين الفصائل، فيما احتفظ كل طرف باستقلاليته.

 

خلايا "داعش" النائمة في حمص

ويبدو أن التنظيم يعي أهمية حمص جيداً، فقد كانت له محاولات لإيجاد موطئ قدم فيها سبقت سيطرته على تدمر، عبر تحريك خلايا نائمة تابعة له في ريف حمص، على رأسها "لواء أسود الإسلام" الذي أخفى مبايعته لـ"داعش" في البداية وانضم إلى "جيش التوحيد"، قبل أن يأتي الدعم من قيادات التنظيم في الرقة إلى أمير اللواء رافد طه، مع تعليمات بالانشقاق عن جيش التوحيد بعد خمسة أيام فقط من انضمامه له. 

وافتعل التنظيم وقتها مواجهات مع فصائل معارضة وجبهة النصرة عبر اختطاف قياديين وعناصر منهم، والهجوم على مقر لجيش التوحيد وقتل أحد قادته.

وانتهت المواجهات حينها بسقوط قتلى من "داعش" وهروب أميرهم رافد طه، واستسلام أو فرار البقية. واستطاعت المعارضة إنهاء وجود التنظيم في تلبيسة، في ظل احتمالية بقاء خلايا نائمة أخرى للتنظيم في المنطقة، في انتظار أوامر من الرقة.

يذكر أن النظام السوري، الذي اجتاح تلبيسة في الشهور الأولى للثورة السورية، طوق المدينة الثائرة عبر 30 حاجزاً، واضعاً على كل حاجز ما يزيد عن 3 مدرعات عسكرية.

وبعد تحريرها في يونيو 2012، قام الجيش الحر بإزالة تلك الحواجز وحيازة عدد من المدرعات التي لم يقم الثوار باستهدافها للاستفادة منها لاحقاً.

 

المصدر: العربية