لم يكن استشهاد الجندي الشاب جمال جان هاشم (19 سنة) ابن القبيات، صباح امس، في مكمن مسلح أمطر شاحنة عسكرية تنقل جنودا عند مفترق بلدة خربة داود في عكار، سوى فصل تصعيدي ينطوي على خطورة فائقة في مخطط بات مكشوف المعالم في الاستهداف المنهجي للمؤسسة العسكرية التي تخوض المواجهة الاوسع والاعنف مع الارهاب على جبهتي الحدود الشرقية والداخل في آن واحد. ذلك ان تكثيف نيران الاغتيالات الموصوفة للعسكريين كنهج اجرامي تصاعدي جاء بمثابة تصعيد مباشر ردا على اظهار الجيش ارادة لا هوادة فيها لتعقب المطلوبين في الاعتداءات والهجمات التي استهدفته سواء في جرود عرسال وعرسال وطرابلس وعكار، الامر الذي برزت نتائجه الواضحة في الايام الاخيرة في نجاح الجيش في تعقب رؤوس كبيرة وتوقيفها، تشهد عليها نتائج التحقيقات الاولية مع هؤلاء في قتل ضباط وعسكريين والمشاركة في الهجمات الارهابية على وحداته.
ولعل المصادفة الرمزية شاءت ان يحصل اغتيال الجندي هاشم امس عشية الذكرى الثانية لاغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي اللواء وسام الحسن ابن عاصمة الشمال ووقت كان الموقوف ابرهيم بحلق يعترف بعد ساعات من توقيفه بأنه المسؤول عن الهجوم المسلح على مركز مهنية عرسال في مواجهة عرسال الاولى، وانه قتل المقدم نور الجمل. أما الجانب الذي اكتسب دلالة شديدة الخطورة في استشهاد الجندي هاشم، فهو ان المسلحين كرروا الفصل الاجرامي الذي حصل قبل نحو اسبوع بقتل العسكري ميلاد محمد عيسى على طريق حلبا - البيرة، فكمنوا فجر امس لشاحنة تنقل عسكريين عند جانبي الطريق الرئيسية التي تربط الكواشرة ببلدة البيرة عند مفترق خربة داود وأمطروها بوابل من الرشقات، ولولا مضي السائق بقيادة الشاحنة بسرعة لكانت حصلت مقتلة جماعية بين ركاب الشاحنة العسكريين. وعلى الاثر قام الجيش بحملة دهم واسعة شملت خراج بلدتي البيرة وخربة داود ومحيطهما حيث أماكن لتجمعات وخيم للنازحين السوريين. وأدت الحملة الى توقيف ثلاثة لبنانيين و41 سوريا للاشتباه في ارتكابهم أعمالا مخلة بالامن، وضبط كمية من الاعتدة. كما أوقف الجيش مساء عددا من المطلوبين في شارع المنكوبين بطرابلس.
كما سجل ليلا تطور أمني لافت آخر تمثل في عثور شعبة المعلومات في الامن العام في الجنوب على كمية كبيرة من الاسلحة والذخائر والمواد المتفجرة موضوعة في أكياس نايلون وموزعة على ثلاثة أماكن في منطقة قريبة من منزل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم في كوثرية السياد. وتولى فوج الهندسة في الجيش نقل المواد والاسلحة الى أحد المراكز العسكرية في الجنوب وبوشرت التحقيقات. وأشارت معلومات الى ان شبكة من اشخاص سوريين كانت أوقفت قبل فترة في المنطقة واعترف أفرادها بالتخطيط لعمليات تخريبية ضد اللواء ابرهيم اثناء زيارته لمنزله في البلدة.

لقاء معراب
وقد شكلت التطورات الامنية التي تشهدها البلاد محورا رئيسيا من محاور اللقاء الذي جمع امس في معراب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي قام بزيارته الاولى لمقر "القوات اللبنانية" على رأس وفد من نواب كتلته. وتخلل اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات غداء وتبادل كتب. وقال أحد المشاركين في اللقاء لـ"النهار" ان أجواء النقاش "كانت مريحة وسادتها الصراحة " ولكن لن يتغير شيء بعد اللقاء على صعيد الازمة الرئاسية اذ ان جعجع لا يزال مرشحا للرئاسة فيما لا يزال النائب هنري حلو مرشح جنبلاط . وأفادت المعلومات المتوافرة ان الجانبين أجريا جولة أفق شاملة لمختلف الاوضاع الداخلية والاقليمية، أما في الموضوع الرئاسي فبدوا متفقين سلفا على انه ما دام العماد ميشال عون مرشح 8 آذار ولم يفتح الباب للحل على غرار ما يبدي جعجع وفريق 14 آذار من استعدادات، فعبثا السعي الى مخرج في الظرف الحالي. وفهم ان جنبلاط حرص على عدم تسمية العماد عون او وصف موقفه ناظرا الى الموضوع على أنه أشمل من أشخاص.

 

بعد التمديد

وفي هذا السياق، علمت "النهار" ان الجهود المبذولة لاحداث اختراق جدي في جدار ازمة الانتخابات الرئاسية ستدخل مرحلة ثالثة مهمة في المدى المنظور تتمثل في اعلان قوى 14 آذار دعمها لمرشح توافقي بالاسم مما ينزع أية ذريعة عن وجود منحى تحدٍ لدى هذه القوى. وتأتي هذه المرحلة بعد مرحلتين سابقتين هما: إعلان مبادرة لهذه القوى تقوم على ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" لرئاسة الجمهورية واستعدادها للسير بمرشح توافقي، لكن ذلك اصطدم برفض فريق 8 آذار الذهاب الى جلسة انتخاب رئيس للبلاد ما لم تضمن فوز العماد عون. والثانية تمثلت في أخذ الرئيس سعد الحريري على عاتقه السعي الى تمديد ولاية مجلس النواب بعدما ذهب الحلفاء وغير الحلفاء في إتجاه إجراء انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية مما يهدد الدولة بمخاطر الانحلال، فأكد ان لا انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية متلاقياً مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في هذا الموقف. من هنا كان لقاء الرئيس الحريري والبطريرك الراعي في روما محطة مهمة في هذا المسار. وفي هذا اللقاء شرح الحريري اخطار الفراغ النيابي بعد الفراغ الرئاسي اذا لم يتم التمديد للمجلس. ولكن في المقابل، كان البطريرك شديد القلق من ان يؤدي التمديد الى حال استرخاء ولا مبالاة حيال إجراء الانتخابات الرئاسية. وفي هذا الاطار علمت "النهار" ان الحريري قدم للبطريرك تعهداً حاسماً أن لا تراجع عن السعي الى اجراء الانتخابات الرئاسية بعد التمديد. وهذا ما سيترجم فور انجاز التمديد لولاية المجلس بالتحضير لإعلان 14 آذار اسم المرشح التوافقي الذي تدعمه بما يشبه المبادرة التي أتت بالعماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية في الدوحة عام 2008. هذه المعطيات المتداولة لا تعني ان ما حصل عام 2008 سيحصل هذه السنة. فالامور تفيد ان "حزب الله" ليس في وضع شبيه بما كان عامذاك. لكن المبادرة المرتقبة من 14 آذار ستحقق عدداً من الاهداف: الوفاء بالالتزام الذي قطعه الحريري للراعي، والاستجابة لمخاوف جعجع التي عبر عنها، أخيراً من ان انسحابه من السباق سيؤدي الى تعقيد الامور ما لم يعلن البديل، وإعطاء الأفرقاء الاخرين الدليل على ان هناك فرصة لعبور لبنان الاستحقاق الرئاسي على قاعدة لا غالب ولا مغلوب الشهيرة. ويأمل الذين يواكبون هذا المسعى في ان ينجح مسعى 14 آذار الجديد وإلا فان لبنان والعالم سيعرفان من لا يريد ان يعبر لبنان هذا الاستحقاق.