مع الانتشار المدمر لفيروس «إيبولا» في دول غرب أفريقيا فإن هناك احتمالات كبيرة في أن يؤدي الفيروس إلى حدوث مناعة «صامتة» لدى كثير من المصابين به الذين لا تظهر عليهم أية أعراض البتة، وفقا لباحثين أميركيين نشرا الأسبوع الماضي مقالة علمية في مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية حول آفاق انتشار «إيبولا». والباحثان هما لورين أنسيل مايرز البروفسورة في البيولوجيا المتكاملة بجامعة تكساس في أوستن، وستيفن بيلان طالب الدكتوراه في مركز البيولوجيا الحسابية والبيولوجيا المعلوماتية بنفس الجامعة.
ويبدو أن الكثير من المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض لا ينقلون عدواه إلى الأصحاء المخالطين لهم. ويعتقد الباحثان أن الفيروس ربما أصاب كثيرين من الأشخاص الذين لم يتمرضوا أبدا ولم ينقلوا عدواه البتة إلى شخص آخر، ثم أصبحوا يتمتعون بمناعة ضد «إيبولا» إن تعرضوا له في المستقبل. وأضافا أن هذه التصورات قد يكون لها عواقب كبيرة حول إعداد الإصابات والوفيات خلال الشهور المقبلة، وفي مجال العمل لتحسين الإجراءات المضادة لـ«إيبولا».
وعندما يتعرض شخص ما لفيروس «إيبولا» فإن نظام المناعة لديه يولد أجساما مضادة للفيروس تبقى في الدم لفترة أطول حتى بعد اضمحلال العدوى. وبمقدور فحوص الدم التعرف على أنواع العدوى السابقة للشخص. ونقلت موقع «هافنغتون هيلث» عن الباحثين أن الفحوص الماضية في وسط أفريقيا قد أظهرت بأن أعدادا كبيرة من الأشخاص الذين ظلوا أصحاء أثناء تفشي وباء «إيبولا» تمتعوا بمستويات من الأجسام المضادة له. وظهر أن 71 في المائة من أولئك الذين رصدت لديهم أجساما مضادة الفيروس لم يقعوا ضحية المرض، بينما ظل 46 في المائة من الآخرين الذين خالطوا المصابين ورصدت لديهم أجساما مضادة، أصحاء أيضاً.
تبدو قصة الأميركي توماس إريك دانكان من مدينة دالاس، الذي توفي في 8 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وأقاربه المخالطين له غريبة. فقد ظهرت أعراض الرجفة والحمى على المريض وكان يرتاد الحمام بكثرة في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي كلها كانت من أعراض الإصابة بـ«إيبولا»، التي تم رصدها في المستشفى فيما بعد.
وفي ذلك الوقت كان المريض يعيش في شقة صغيرة من غرفتين مع أربعة آخرين في دالاس. وعندما بدأت عملية تطهير الشقة بعد إدخال المريض المستشفى، قال المسؤولون الصحيون في دالاس إن الشقة احتوت على ثلاث فرش للنوم، وخلال ثلثي فترة عزل المخالطين للمريض في محجر صحي، وهم شريكه دونكان وابنه البالغ من العمر 13 عاما وابن أخيه ورجل آخر، لم تظهر عليهم أية أعراض إصابة بـ«إيبولا». ووفقا لما قاله توم فريدن مدير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها حينذاك، فإنه وفي تلك المرحلة من حضانة المرض فإن الأعراض لن تظهر عليهم في الغالب. التساؤل المطروح هو: كيف حدث أن أحدا من المخالطين للمريض لأيام كثيرة لم يظهر أية أعراض للإصابة بالفيروس؟ أحد التفسيرات المحتملة التي لا تجري مناقشها كثيرا، هو أن المخالطين له أصيبوا من دون ظهور أية أعراض فيما يسمى «العدوى عديمة الأعراض».
وقال بيلان في حديث نقلته «واشنطن بوست» إن «الحالات عديمة الأعراض تشمل على الأكثر الإصابة بقليل من خلايا الفيروس لفترة قليلة يتمكن الجسم فيها من محاربتها». والأشخاص «عديمو الأعراض» لا ينقلون العدوى لأن العدوى تنتقل من سوائل المصابين الذين تظهر أعراض المرض لديهم. وكان كل الأشخاص الـ48 الذين خالطوا المريض المتوفى دانكان قد أدخلوا إلى المستشفيات في دالاس، ويبدو أن كلهم مصابون بالحالات عديمة الأعراض.