ما كشفه الرئيس سعد الحريري من موقعه كرئيس لمجلس الوزراء وتيار المستقبل، وكتلة المستقبل النيابية، سيكون على جدول اللقاء المرتقب، قبل جلسة لمجلس الوزراء، وهذا التطور السياسي، بدءاً من اللقاء الرئاسي، الذي سيؤكد التمسك بالتسوية الرئاسية، وسيجري مراجعة، قوامها الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها والبحث بالجدول السياسي لمناقشات الموازنة النيابية، ثم اقرارها، وموعد عقد جلسة لمجلس الوزراء..
 
وقال الرئيس الحريري في مؤتمر صحفي عقده لهذه الغاية: «سأذهب لمقابلة الرئيس بهذه الروحية، ولكي اتحدث بصراحة ودون قفازات، ولكي اقول ان انعدام الثقة بين اللبنانيين أكبر خطر على الجمهورية وعلى العيش المشترك».
 
وكاشف الرئيس الحريري تياره والرأي العام والشركاء بأن «الغضب الذي حكي عنه في الوسط السني، لا نستطيع ان نغطي عليه ونعتبره غير موجود، هذا غضب حقيقي، ناتج عن سلوك وممارسات ومواقف سياسية من شركاء اساسيين»..
 
«فشة خلق»
 
وفيما لم يصدر عن دوائر قصر بعبدا، أي تعليق على المواقف التي أطلقها الرئيس الحريري في مؤتمره الصحفي أمس في السراي، قالت مصادر وزارية لـ«اللواء» انه أصبح مؤكداً ان لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، مشيرة إلى انه في الأصل ثمة رغبة بتبريد الأجواء وعدم الدخول إلى جلسة تتحوّل إلى جلسة  عتاب ورد ورد مضاد، مع العلم ان أغلبية المواقف السياسية والصادرة عن مختلف المكونات لا توحي بأن الوضع ميال إلى التحسّن.
 
وفي تقدير مصادر سياسية، ان الرئيس الحريري آراء من مؤتمره الصحفي الذي عقده، فور عودته إلى بيروت أمس، عن طريق باريس، من إجازة عيد الفطر المبارك، وضع النقاط على حروف جميع ما اثير في غيابه من سجالات ومن ردود وردود مضادة بين التيارين الأزرق والبرتقالي، أي انه بعبارة أخرى كان مؤتمره بمثابة «فشة خلق» ولكن ضمن حدود وضوابط معينة، ورد على الآخرين، ولا سيما الوزير جبران باسيل، وعلى كل ما قيل وما يجري منذ كلام باسيل في دير ذنوب البقاعية، إلى «انقلاب» مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، على دوره داخل المحكمة العسكرية في قضية المقدم سوزان الحاج والفنان زياد عيتاني، إلى العملية الإرهابية في طرابلس، وما قيل حولها من اتهامات لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ومن اتهام لطرابلس بأنها «بيئة حاضنة للارهاب»، لكنه في كل تعليقاته على هذه الأحداث لم يهاجم الرئيس الحريري أحداً، ولم يفتعل مشكلة مع أحد، وإنما، حسب المثل السائد: «قال كلمته ومشى»، وهو اساساً لم يكن يرغب بقلب الطاولة وإعلان استقالته، أو إعلان انتهاء مفعول التسوية الرئاسية، بل بالعكس، أكّد ان «بديل التسوية الذهاب إلى المجهول».
 
ويمكن ان يقال ان الحريري بق البحصة، وتحدث من دون سقوف، معبرا عن لسان حال الغضب السائد في الوسط السنَّي، محذراً من الطريقة السائدة في إدارة البلد، أي «البهورة وزلات اللسان والسقطات الكلامية»، لكنه لم يقطع شعرة معاوية مع أحد، ولا سيما مع الرئيس ميشال عون الذي اعتبره الحريري بأنه «ضمانة لنا جميعاً»، وحتى أيضاً مع باسيل الذي رددت اوساطه، من حيث هو موجود حالياً في لندن، بأنه كانت له قراءة إيجابية من مواقف الحريري.
 
لقاء عون - الحريري
 
إلا ان ذلك كلّه لا يعني ان الوضع الحكومي والسياسي العام في البلد، سيكون كما كان قبل «فشة خلق» الحريري، ولا بدّ من رصد اللقاء الذي سيجمعه مع الرئيس عون، والمتوقع اليوم، وما يُمكن ان يقوله بعد لقاء بعبدا، خاصة وان الحريري صارح الصحافيين بأنه سيكون له كلام كثيرة في هذين اليومين، الا ان موعد اللقاء لم يتحدد، مع العلم ان الرئيس عون سيترأس قبل ظهر اليوم احتفال مئوية محكمة التمييز في قصر العدل في حضور الرئيسين نبيه برّي العائد بدوره من اجازته الصيفية والحريري وأركان الدولة.
 
وفي هذا الإطار، كان لافتاً للانتباه قراءة مصادر الثنائي الشيعي، لما يدور في الكواليس السياسية وأسباب فتح النار السياسية على الحريري من قبل شركائه في التسوية، والمقصود هنا بالوزير باسيل، خصوصاً وأنها عزته إلى انه «يأتي كرد فعل استباقي أو تهديد مبطن لعدم ذهاب الحريري في لحظة ما إلى تسويق ترشيح رئيس تيّار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية إلى الرئاسة الأولى.
 
واللافت أيضاً ان هذه المصادر، رغم انزعاجها من أداء حلفاء الحريري وخصومه، جزمت في تصريح خاص لـ«اللواء» بأنها لا تقبل ان يكون الحريري مكسر عصا لأي طرف وشماعة لتصفية الحسابات بين القوى السياسية، مشددة على ان أي خلاف سياسي معه لا يعني ابداً بأننا نوافق على تقويض عمل الحكومة وتعطيلها او استهداف رئيسها».
 
المؤتمر الصحفي
 
ورغب الحريري في مستهل مؤتمره الصحفي في السراي، بتوجيه تحية لارواح شهداء الجيش وقوى الأمن الداخلي الذين سقطوا خلال عملية الغدر الإرهابية كما اسماها، في طرابلس، مؤكداً ان خروج إرهابي من أوكار التطرف لن يبدل في هوية طرابلس شيئاً، وستبقى مدينة الاعتدال والعيش المشترك مدينة الانتصار للدولة والشرعية رغم أنف المشككين ومستغلي الفرص، مذكراً بأن موضوع العفو ورد في البيان الوزاري ولا بدّ من ان يسير.
 
ومن هذه البداية، دخل الحريري في أسباب عزوفه عن الاستمرار في الصمت، مؤكداً انه لم يعد يستطيع البقاء ساكتاً على الغلط، وعلى أي كلام يمس الكرامات ويتجاوز الخطوط الحمراء والدستور والأصول والأعراف، لافتاً إلى ان البلد لا يجوز ان يدار بالبهورة وزلات اللسان وبسقطات ندفع ثمنها من علاقاتنا واقتصادنا واستقرارنا الداخلي، موضحاً بأن السجالات فرضت عليه فرضاً، وهي أتت بعد مرحلة التزمت فيها بالبصر والصمت لتمرير الموازنة بأقل قدر من الكلفة على البلد، مشيراً إلى انه كان «يغلي» من الداخل، أثناء جلسات درس الموازنة، تجاه ممارسات لم يقصّر فيها أحد وتجاه نقاش بيزنطي كان بإمكاننا ان ننهيه بعشر جلسات بدل 19 جلسة، منتقداً الازدواجية في تعاطي معظم الكتل النيابية مع موضوع الموازنة، رغم انه اشبع نقاشاً في مجلس الوزراء، ولم يبق أحد لم يُشارك في هذه النقاشات، متسائلاً ما الذي يعنيه تبدل المواقف؟
 
وأكد الحريري ان الغضب الذي حكي عنه في الوسط السني حقيقي، وهو ناتج عن سلوك وممارسات ومواقف سياسية من شركاء أساسيين، اعطوا فرصة للبعض لصب البنزين على نار الغضب.
 
3 عناوين
 
وفي هذا المجال تحدث الحريري عن ثلاثة عناوين: 
 
الاول: علاقات لبنان مع الدول العربية غامزاً هنا من قناة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي انتقد موقفه في قمم مكة المكرمة، مؤكداً انه «عندما يقف رئيس الحكومة على أي منبر عربي أو دولي فهو يتحدث باسم كل لبنان»، مشدداً على ان كلمته وموقفه في مؤتمر مكة هما قمة الالتزام بالبيان الوزاري وبالنأي بالنفس وبمصلحة البلد.
 
وقال: «آن الأوان ان نفهم ان مصالح البلد قبل مصالحنا الخاصة والسياسية مع أي دولة، وان الولاء للبنان يتقدّم على أي ولاء لأي محور آخر».
 
الثاني: موضوع التسوية السياسية في البلد والسجال الذي حصل مع «التيار الوطني الحر»، وهنا أورد الحريري انزعاجه من كلام الوزير باسيل في البقاع، ومن ثم حكم المحكمة العسكرية بقضية زياد عيتاني والعملية الإرهابية في طرابلس، مشيراً إلى انه رأى تصرفات وسمع مواقف سلبية أصابت التسوية، مؤكداً انه لن يقبل لا اليوم ولا غداً ولا في أي وقت ان يتطاول أحد على المؤسسات الأمنية والعسكرية، أو ان يحاول القول ان هناك مؤسسات بسمنة ومؤسسات بزيت.
 
وقال: «مع معرفتي ان هناك من يريد ان يفسّر التسوية بأية طريقة، ولا يهمهم ان كنت انا سأدفع الثمن أو كل البلد، لأن بديل التسوية هو الذهاب إلى المجهول».
 
أما العنوان الثالث فكان حول دور أهل السنَّة في لبنان، مشيرا إلى ان أهم بند في التسوية كان الالتزام باتفاق الطائف، وان قوة أهل السنَّة انهم حراس الشراكة الوطنية حتى ولو تصرف أحد الشركاء بعيداً عن أصول الشراكة، مشدداً على لا أحد يضع السنَّة في خانة الاحباط والضعف، فالسنَّة هم عصب البلد وبلا العصب ليس هناك بلد.
 
وخالف الحريري، في هذا العنوان، ما يقال ان التسوية قدمت تنازلات للآخرين من حصة السنَّة، واضعاً هذا القول بأنه أكبر كذبة تفيرك ضد سعد الحريري، مؤكداً ان صلاحيات رئاسة الحكومة بخير، ولا أحد يستطيع ان يمد يده عليها، متحدياً أي أحد يظهر له أين تمّ التفريط بالصلاحيات وحقوق السنَّة، داعياً الجميع الىان لا يكونوا سبب الاحباط، ولتيار «المستقبل» بأن لا ينجر أحد لردات الفعل، ومؤكداً انه ودار الفتوى ورؤساء الحكومة السابقين سوية في خط الدفاع الأوّل عن لبنان، وعن دور السنَّة في المعادلة الوطنية.
 
وختم بأنه سيذهب لمقابلة رئيس الجمهورية بروحية وصايا رفيق الحريري بالاعتدال والمناصفة وبناء الدولة أي اتفاق الطائف، مؤكداً انه سيتحدث بصراحة ودون قفازات، ولكي يقول له ان انعدام الثقة بين اللبنانيين أكبر خطر على الجمهورية وعلى سلامة العيش المشترك.
 
وفي رده على أسئلة الصحافيين، وصف الحريري علاقته بالرئيس عون بالمميزة، ومع الوزير باسيل بأنها تشوبها بعض الحساسية، لكنه قال ان لا شيء إلا ويحل إذا ما جلسنا وتناقشنا، نحن لا نريد ان نلغي أحداً ولا ان يلغينا أحد.
 
وشدّد في ردّ على سؤال آخر، بأن مشكلة النازحين السوريين ليست مشكلة عند طائفة معينة، بل لدى كل الطوائف والمذاهب، ملاحظاً ان الخلاف في ما يتعلق بهذا الملف حول الاسلوب في كيفية مقاربة الموضوع، الا انه أكّد أن ما يتعرّض له النازحون لا يمثل الحكومة، وشدّد على انه حصل تدخل في القضاء في قضية زياد عيتاني، ويجب ألا يغطي أحد الخطأ، الا انه قال انه لا يعرف من تدخل، لافتاً إلى ان الخطأ الذي حصل مع الارهابي المبسوط انه لم يراقب كما يجب بعد اطلاقه من قِبل المحكمة.
 
الرئيس الحريري خلال مؤتمره الصحفي في السراي (تصوير: دالاتي ونهرا)
 
إطلاق زكا
 
على صعيد آخر، أوضحت مصادر ديبلوماسية لـ«اللواء» ان لا مساومة ولا مقايضة حصلت وتتصل بإطلاق الموقوف في السجون الإيرانية نزار زكا، وانه لم يدفع الكفالة التي حددت للافراج عنه والبالغ قيمها 4،5 مليون دولار، كما انه لم يقضّ محكوميته في السجن والتي كانت مدتها عشر سنوات.
 
وأشارت المصادر إلى ان الرئيس ميشال عون كان قد تواصل مباشرة مع الرئيس الايراني حسن روحاني وبعث برسالة له من خلال السفير الإيراني يدعو فيها الى الأفراج عن زكا،  لافتة الى ان  الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واكب تفاصيل الاتصالات للإفراج عن زكا كما تفاصيل مهمة الوسيط المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، مبديا عدم ممانعة حزب الله لهذه الوساطة طالما أن المبادرة جاءت بطلب ومسعى من الرئيس عون الذي كان قد التقى عائلة زكا والتي طلبت منه المساعدة في هذا المجال.
 
كما اكدت المصادر دور وزارة الخارجية من خلال لقاءات الوزير باسيل مع نظيره الايراني في وقت سابق. وأفيد ان زكا سيمكث لفترة في لبنان كما أنه ينتقل لاحقاً إلى الولايات المتحدة باعتباره يحمل أيضاً الجنسية الأميركية، وأوقف في طهران بتهمة التجسس لاميركا.
 
وكان اللواء إبراهيم نجح أمس في تنفيذ المهمة التي كلفه بها، الرئيس عون، وعاد بعد الظهر من طهران ومعه زكا، وتوجها مباشرة إلى قصر بعبدا لشكر الرئيس عون على مبادرته بخاصة، وحيث تواجدت عائلته في القصر.
 
وخاطب عون زكا قائلاً: «انت مواطن لبناني تابعت قضية وعملت على انهائها، وأنا سعيد بعودتك إلى الحرية، وكما قلت دائما ان الحياة خارج إطار الحرية هي شكل من اشكال الموت».
 
ولاحقا زار زكا الرئيس الحريري في السراي الذي هنأه بإطلاق سراحه، وكان زكا شكر جميع من ساهموا وعملوا على إطلاق، الا انه لم يأت على ذكر «حزب الله» وحين سئل عن ذلك اكتفى بالجواب: «لا تعليق».
 
ساترفيلد في بيروت
 
من جهة ثانية، عاد الوسيط الأميركي في ملف الحدود البحرية والبرية مساعد وزيرالخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، حاملا الرد الإسرائيلي على مقترحات ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بين البلدين, وسط معلومات عن تقدّم في مهمته على هذا الصعيد، تقاطعت مع ما اشار إليه من لندن الوزير جبران باسيل.
 
ولم يسجل ساترفيلد القيام أمس بأي نشاط يذكر باستثناء زيارته لمدير الشؤون السياسية في الخارجية السفير غدي خوري، بتكليف من الوزير باسيل بسبب وجوده في لندن، واطلع منه على آخر تطورات ملف ترسيم الحدود.
 
وافيد ان هناك زيارة مرتقبة لساترفيلد إلى قصر بعبدا لكن لم يُحدّد موعدها، كما تلحظ الأجندة زيارة للرئيس الحريري، وللرئيس برّي الذي سيكون له كلمة اليوم في احتفال تدشين المبنى الجديد لمستشفى الزهراء في منطقة الجناح.
 
وتحدثت معلومات ان ساترفيلد ينقل جواباً اسرائيلياً حول طرح لبنان بعدم وضع سقف زمني للمحادثات التي ستجري بين الجانبين تحت علم الأمم المتحدة في مقر «اليونيفل» في الناقورة.
 
يُشار إلى ان اجتماعاً ثلاثياً عسكرياً عقده أمس في الناقورة، برئاسة الأمم المتحدة، لكن لم يجر التطرق فيه إلى مسألة الحدود البحرية.