سياسياً، اجواء عطلة العيد، هي الطاغية على المشهد الداخلي بشكل عام، الذي سيشهد جموداً واضحاً حتى يوم الثلثاء المقبل، ما خلا جلسة مجلس الوزراء العادية التي ستُعقد اليوم، بلا اي بنود او قرارات نوعية، والتي تطغى عليها الأجواء المتشنّجة التي سادت منذ مطلع الاسبوع الجاري، بعد الهجوم القاسي الذي شنّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي، على خلفية تعقيدات الموازنة، وصوّب فيه على من سمّاهم «الهواة وقليلي الخبرة»، وبتعابير بدا فيها انّ المُستهدف رئيس الحكومة سعد الحريري.

قانون الانتخاب

وفيما استمر الضجيج السياسي حول الموازنة ودورانه في حلقة الزيادات الضريبية والتخفيضات والاقتطاعات من رواتب الموظفين، القى الرئيس بري، عبر كتلته النيابية، «حجر القانون الانتخابي» في البركة السياسية، وذلك في مبادرة لافتة في توقيتها. وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ رئيس المجلس يعوّل على مبادرته علّها تحقق الغاية المرجوة منها في إعداد قانون جديد للانتخابات خلال فترة ليست بعيدة.

بري: الوقت مناسب

وفي موازاة التساؤلات التي تُثار حول طرح الملف الانتخابي في هذا التوقيت بالذات، يؤكّد بري انّه يحترم كل ما يُقال في هذا المجال، «الّا انّ النقاش يجب ان يبدأ منذ الآن في قانون الانتخابات»، موضحاً انّ الاقتراح الذي اعدّته «كتلة التنمية والتحرير»، يقوم على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية.

ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» قال بري: «الى القانون الانتخابي درّ». واضاف: «الوقت مناسب للبحث في القانون، واعتقد انّ من مصلحتنا ان نعجّل بالقانون الانتخابي ونبدأ به منذ الآن. فالقانون الانتخابي الحالي الذي جرت على اساسه الانتخابات النيابية، أوجد خللاً كبيراً وشكوى عارمة من الجميع، ودلّت التجربة معه على انّه «ميني ارثوذكسي»، وبالتالي المطلوب ان نستفيد من العِبَر التي اعطتها الانتخابات، ونعمل منذ الآن، وبكثير من التأني، على إعداد قانون عصري يأتي على مقاس لبنان وعلى مقاس النسبية وعلى مقاس طموحات وتطلعات اللبنانيين الراغبين بتمثيل عادل وصحيح. ومن هنا كان طرح اقتراح القانون الآن، لكي نصل مرتاحين الى الانتخابات المقبلة، ولا نكون محشورين، على غرار ما كان يحصل في السابق عندما كان يداهمنا الوقت فنُحشر فيه ولا نستطيع ساعتئذ ان نفعل شيئاً».

وكان بري قد قدّم توصيفاً للقانون الحالي في وقت سابق، قال فيه: «ثمة علامة جيّدة ووحيدة في القانون الحالي، وهي انّه ادخل النسبية للمرة الاولى الى الانتخابات النيابية، لكن مع الاسف أُدخلت بصورة سلبية أفرغتها من معناها ومن مضمونها. ثم انّ الصوت التفضيلي أو النسبية على أساس القضاء أو على أساس الدوائر الصغرى، كلها امور غير موجودة في أي قانون في العالم، وهذا الصوت التفضيلي تحديداً قال بالصوت الصارخ: يا ماروني صوّت للماروني، يا شيعي صوّت للشيعي، يا سنّي صوت للسنّي. فهذا القانون بدل من أن يزيد عدد الناس الذين ينتخبون قلّله، لماذا؟ لأنّ الناس لا تريد هكذا قانون، هذا أول درس أنا تعلّمته شخصياً، وان شاء الله يتعلّم غيري من هذا الدرس».

الموازنة

حتى الآن، ما زالت الصورة مُبهمة حول الصيغة النهائية التي سترسو عليها الموازنة، وما ستتضمنه من ابواب لخفض العجز، واي القطاعات التي ستشملها الزيادات في الرسوم، واي الفئات من الموظفين التي ستشملها التخفيضات وعملية قضم الرواتب. هذا في وقت، ظلت المشاورات قائمة على قدم وساق بين رئيس الحكومة سعد الحريري والقوى السياسية الممثلة في الحكومة، في سبيل الوصول الى قرارات لخفض العجز محصّنة سياسياً.

وما يزيد الغموض حيال الموازنة، هو بروز صورة سياسية غير متوازنة تقابلها، ويتجاذبها من جهة قلق وظيفي ونقابي ممّا ستحمله هذه الموازنة من أعباء، ومن جهة ثانية مواقف متضاربة حول مضمونها، ومتباينة مع بعضها البعض، بين تسريبات مستمرة حول تخفيضات قاسية ستطال كل القطاعات، تندرج في سياق الخطوات الموجعة وغير الشعبية التي ستتخذها الحكومة لوقف الانهيار الاقتصادي، وبين تصريحات من اكثر من مستوى سياسي، تؤيّد من جهة النهج الحكومي الرامي الى تخفيض العجز، الّا انّها في الوقت نفسه، تطمئن الى أنّ التخفيض لن يمسّ الطبقات الفقيرة، وانها ستمنع الوصول الى هذا الإجراء الموجع للناس.

تساؤلات وقلق

وفي وقت، تتوالى التأكيدات من قِبَل رئيس الجمهورية حول موازنة متوازنة لا تلقي الأعباء على الفئات الفقيرة، وايضاً من قِبَل رئيس الحكومة، وكذلك الأمر من قِبَل رئيس المجلس الذي اكّد امس، «ان لا استهداف في الموازنة على الإطلاق للفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والفئات المتوسطة، والذي تبعه تأكيد من وزير المال علي حسن خليل، بأنّ مشروع الموازنة الذي رفعه «لا يتضمن بنوداً تمسّ بالرواتب ولا زيادات على البنزين و لن يتم فرض الضرائب على الطبقات المتوسطة والفقيرة»، تضاعف حجم التساؤلات حول الابواب التي تطرّق اليها مشروع الموازنة لتحقيق وفرٍ يُفترض ان يصل الى حوالى مليار ونصف المليار دولار لكي يتراجع العجز بالنسبة الى الناتج المحلي بنسبة 2,5% أقل من العام 2018، والذي وصل الى حوالى 11%.

ولعلّ السؤال الأساس الذي يُطرح في هذا السياق، هو حول مصداقية الخفض في الإنفاق، اذ انّ تجربة موازنة 2018 كانت فاشلة بامتياز. فهل جرى اعتماد اسلوب مختلف لتحاشي تكرار الأخطاء الفادحة في الارقام، بين ما هو مُقدّر وبين النتائج الفعلية؟ وعلى سبيل المثال، هل جرى احتساب الإنفاق الإضافي الذي قد يحصل نتيجة ارتفاع اسعار المحروقات، ام انّ الحسابات تستند الى اسعار العام الماضي؟

المصارف تراقب

 
 

وبالإضافة الى القلق الشعبي، رغم التطمينات، قالت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»، إنّ المصارف والمؤسسات المالية تراقب ما ستتضمنه الموازنة لكي يُبنى على الشيء مقتضاه. اذ انّ قرار مشاركة المصارف في عملية الإنقاذ للمالية العامة، يتوقف على اقتناعها بصدقية وجدّية انطلاق المشروع التقشفي الاصلاحي، لأنّها لا تريد تكرار تجربة «باريس3» كما يردّد القيّمون عليها.

التوافق ضروري

الى ذلك، قالت مصادر وزارية معنية بالموازنة لـ«الجمهورية»، إنّ من الصعب الوصول الى موازنة قبل حصول توافق سياسي بين مكونات الحكومة على الإجراءات التي سيتم اتخاذها. وذلك لقطع الطريق على اي محاولة من قِبَل اي طرف سياسي لركوب موجة الشارع، والمزايدة في وجه الاجراءات. وبالتالي تجنّب اي تداعيات قد تنشأ عن المزاج الشعبي الرافض لها، يمكن ان ترتد سلبياتها على الحكومة.

ولفتت المصادر الى انّ المسألة ليست سهلة. فمن جهة الوضع الاقتصادي ضاغط بقوة على الواقع اللبناني، ومن جهة ثانية، فإنّ الخشية كبيرة لدى الفريق الحكومي بشكل عام، من انّ إقرار الموازنة بالإجراءات التي تتضمنها، قد يفتح البلد على مرحلة صعبة من التحرّكات الشعبية والإضرابات والاعتصامات والتظاهرات، حتى ولو وافقت على الموازنة كل القوى المشاركة في الحكومة.

إشتباك جديد

من جهة ثانية، بقيت العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» معلّقة على حبل الاشتباك المفتوح حول العديد من القضايا والملفات الداخلية، وجديدها الاشتباك المُحتدم حول تسريب محضر اجتماع نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني ووزير الاقتصاد منصور بطيش بنائب وزير الخزانة الأميركي مارشال بيلنغسلي في واشنطن، والذي تكرّر مرتين في خلال الايام الاخيرة.

وفيما تردّد انّ وزير الخارجية جبران باسيل أوعز بإجراء تحقيق داخلي حول الجهة التي سرّبت المحضر، قالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: «هناك مشكلة مزدوجة مع هذا التسريب، فمن ناحية الشكل، كان تسريب اول، وبالامس كان تسريب ثانٍ، ولم نسمع اي موقف واي اعتذار واي تصريح من قِبَل وزارة الخارجية يدين هذا التسريب، ويعلن صراحة انّه فتح تحقيقاً لمعرفة من المسرّب، وانّ الوزارة لا تقبل تسريبات من هذا النوع. هذا الامر كان يجب ان يصدر شخصياً عن الوزير باسيل، وان يقول علناً بأنّ ما حصل غير مقبول وانه سيدين الشخص الذي سرّب هذه المحاضر».

أضافت المصادر: «هذا استلشاء واستخفاف وخفة في التعاطي مع موضوع من هذا النوع، وهو امر مُستهجن ومُريب وغير مقبول ، وبالتالي هو مستفزّ لأنه يشكّل سابقة على هذا المستوى، لجهة تسريب محاضر في اقل من عشرة ايام، معروفة هوية المرسل وهوية المتلقي، وان يتم تسريبها بهذا الشكل».

اما من حيث المضمون، تضيف المصادر، «فهذا الامر يسيء الى صورة لبنان، والى صدقيّته والى ديبلوماسيته والى ثقة المجتمع الدولي به ويضرب علاقاته مع الدول الخارجية. وبالتالي هذا الامر غير المسبوق خطير للغاية، ولذلك نحن سنتابع هذه القضية من خلال لجنة الشؤون الخارجية النيابية، ومن خلال مساءلة الحكومة ووزير الخارجية. لن نترك هذا الملف، وسنصعّد فيه حتى النهاية».

وختمت المصادر، «من المؤسف جداً ان تتحول بعض السفارات الى مراكز لتسريب محاضر وكأنّها مواقع استخبارية وليست مواقع ديبلوماسية لبنانية، فما حصل مخجل، وعلى وزارة الخارجية ان تتحمّل المسؤولية وتبيان حقيقة من هو المسرّب ومعاقبته.

حمادة

ولفت في هذا السياق موقف للنائب مروان حمادة، حيث قال: «الديبلوماسية الصفراء تجاوزت كل ألوان الصحافة، فإذا بسفيرنا لدى واشنطن يُمعن في تسريب المحاضر التي هي في الاساس مخصصة لتُرفع الى وزارة الخارجية، ومنها الى رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء. والمطلوب من وزارة الخارجية تعليق عمل السفير الذي لا يليق بتمثيل لبنان لدى دولة كبرى وتنبيه الوزراء والنواب».

لقاء الصيفي

من جهة أخرى، زار أمس رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رئيس حزب الكتائب سامي الجميل في الصيفي وأكد أنّ «التنسيق مستمرّ مع الكتائب وسيستمرّ في المستقبل بكل المواضيع»، ولفت إلى «أننا موجودون ضمن الحكومة ولدينا موقفنا»، موضحاً أنّ «الحوار مع الكتائب كان غنياً وشمل كل الامور».

في حين أشار النائب سامي الجميّل الى «أننا مستعدون للتعاون مع المردة وكل مَن يريد أن يضع يده بيدنا لمنع التعدّي على حقوق الناس».