شهدت الساحة السياسية أمس ما يشبه الاعتكاف الجماعي عن التعاطي في شؤون التأليف الحكومي، حيث لم يطرح المعنيون به وسواهم من الاوساط السياسية أي فكرة جديدة من شأنها تحريك عجلة المشاورات لاكتساح المعوقات التي تمنع ولادة الحكومة. في الوقت الذي بَدا انّ الرئيس المكلف لن يعود قبل الاربعاء المقبل في ضوء ما تردد من انّ كل مواعيده في «بيت الوسط» وخارجه قد ألغيت حتى ذلك الاربعاء.

لم تختلف الأجواء في قصر بعبدا عن تلك السائدة في بقية المقار فليس هناك جديد ملموس، وحركة الإتصالات التي بوشرت على مستوى بعض الوسطاء ما زالت في بداياتها وهناك من بَدأ نقل الأجواء وتبادل الآراء من دون تحقيق أي خرق، وأظهرت المواقف الأولية تمسّك الجميع بمواقفهم المعلنة.

ورئيس الجمهورية ايضاً على موقفه من منطلق انه «لا يفاوض مع أحد» وكل ما في الأمر انّ بعض «الوسطاء - الزوّار» يقدّمون الحلول، وهو «متشدّد في موقفه بهدف توفير باب للحل المنشود الذي يرضي الجميع».

وفي معلومات «الجمهورية» انّ احد الوسطاء يعمل على تسويق اقتراح حل يقضي بأن يتم التوافق على تفويض رئيس الجمهورية تسمية شخصية سنية ترضي الطرفين، ولكن البحث في هذا الاقتراح ما زال في بداياته، وانّ رئيس الجمهورية شجّع هذا الوسيط على الاستمرار في مساعيه في هذا الاتجاه، مؤكداً أنه «لن يوفّر أي مبادرة يمكن ان يقوم بها او اي جهد يبذل لحل هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن».

«المستقبل»

في غضون ذلك رفضت مصادر الحريري التعليق على السيناريوهات التي ينسجها الاعلام حول اسباب عدم عودته من باريس بعد، وقالت لـ«الجمهورية»: «موقفنا واضح، الرئيس المكلف أنجز مهمته، والتشكيلة الوزارية أصبحت جاهزة، لكن ما يحول دون إعلان الحكومة هو عدم تسليم أسماء بعض الوزراء بعد، والرئيس الحريري في انتظار ان يتسلّمها لكي يتوجّه فوراً الى القصر الجمهوري وإعلان ولادة الحكومة، فليتفضّلوا وليسلّموا الاسماء الناقصة، ونقطة عالسطر». وجدّدت المصادر تأكيدها رفض الحريري القاطع توزير سنّة 8 آذار في حكومته، وشددت على ان «لا نقاش في أي موضوع آخر».

وكان مصدر قيادي في تيار «المستقبل» نفى نفياً قاطعاً ما نسبه البعض الى أوساط في «التيار» بأنّ توزير سنّة 8 آذار يصبح ممكناً في حال انسحاب هؤلاء النواب من الكتل التي شاركوا معها في الاستشارات. وأكد انّ الحريري «ليس معنياً بكل ما يطرح في بازارات التوزير»، وأنّ موقفه من هذه المسألة «لا يخضع للمساومة تحت أي ظرفٍ من الظروف».

وكان تلفزيون «المستقبل» قد اعتبر في نشرته الاخبارية مساء امس انّ «حزب الله» يعاقب اللبنانيين بالعقدة التي اخترعها بحجّة تمثيل ما يسمّى سنّة الثامن من آذار، ويؤخّر تأليف الحكومة التي باتت ولادتُها ضرورية أكثر من أي وقت مضى، لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والمعيشية الضاغطة، وليس آخرها الكهرباء التي استدعت إتصالات مكثّفة أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري مع الجانب الجزائري لإفراغ الفيول في معامل الكهرباء، حتى لا يَغرق لبنان في العتمة».

ونقل التلفزيون عن مصادر مواكبة لعملية التأليف «أن لا جديد في قضية العقدة المستجدة غير ما يتم من تحركات موازية، وأنّ الامور ما زالت على حالها. وأوضحت هذه المصادر أنّ كل ما ينشر عن صيغ واقتراحات تتعلق بالنواب السنّة في فريق الثامن من آذار، لا تمتّ إلى الواقع بصلة وهي مجرد مادة للاستهلاك السياسي والاعلامي».

بكركي

ودخلت بكركي على خطّ الوساطة العملية لتأليف الحكومة، إذ استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان، وعرض معه للوضع الحكومي وحمّله رسالة الى «حزب الله» من أجل المساعدة على إزالة العقبات التي تعترض التأليف.

وأكدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ البطريرك ترجم خلال لقائه قبلان ما قاله في بعبدا عندما التقى عون من «أنّهم تحجّجوا بالعقدة المسيحية، لكنّ الحقيقة أنّ الجميع يعرف من يعرقل».

واوضحت انّ «الراعي انتقل الى الخطوات العمليّة بعدما تحدّث عن العقدة، وقد قال للمفتي قبلان إنّ الوضع الإقتصادي لم يعد يحتمل، والبلاد غارقة في الديون والناس تأنّ من الوجع، وليس من خيار أمامنا إلّا تأليف الحكومة».

وأضافت المصادر: «لقد كان هناك تناغم بين الراعي وقبلان، فالبطريرك أكّد ان كل الأمور كانت تسير جيّداً بعد حل عقدة تمثيل «القوات»، ليتبيّن أنّ هناك ما يسمّى العقدة السنيّة، وذلك بدعم «حزب الله» وتمسّك بعدم تأليف حكومة من دونهم. لذلك، فإنّ العراقيل التي توضع يجب ان تحلّ، وعلى «حزب الله» المساعدة في إيجاد الحلول، فعرض قبلان القيام بدور وحمل رسالة من الراعي الى الحزب ونقل كلام الراعي حرفياً».

وشدّدت المصادر على أنّ «الراعي لا يريد كسر كلمة رئيس الجمهورية، خصوصاً انّ عون صرّح خلال لقائه الإعلامي مساء الأربعاء الماضي أين تكمن العقدة، وعلى «حزب الله» ان لا يشكّل عاملاً معرقلاً لعمل رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلّف، وإلا فإنّ تأخير التأليف سيؤدّي الى تسريع الإنهيار».

وأكدت «أنّ بكركي تدعم موقف عون والحريري، ويجب على الجميع، وبمَن فيهم «حزب الله»، أن يَعي مسؤولياته لأنّ الجميع شركاء في إنقاذ الوطن».

عودة

وحضر هَمّ التأليف في بعبدا خلال زيارة متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الذي قال بعد لقائه عون: «عبّرنا عن ألمنا لِما آلت اليه الامور والتعثّر المستمر في تأليف الحكومة، وعن أملنا بولادة الحكومة قريباً لإخراج البلاد من الركود وانتشال المواطنين من اليأس».

البلد في العتمة

من جهة ثانية لم يكد «قطوع» انقطاع كهرباء الدولة يمر ويتنفّس المواطن الصعداء، بعد معالجة مسألة الفيول، حتى جاءته الضربة هذه المرة من أصحاب المولدات الذين قرروا، وفي خطوة تحمل كثيراً من التحدي للدولة، والذلّ للمواطنين، إطفاء مولداتهم لساعتين، ونشر العتمة في البلد.

بين الخامسة والسادسة مساء أمس، عاش البلد في العتمة ليدفع ثمن «حرب العدادات» وعضّ الاصابع بين وزارة الاقتصاد من جهة، وأصحاب المولدات من جهة أخرى.

وردّ وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري على هذه الخطوة بالتأكيد ان لا عودة عن قرار تركيب العدادات، وانّ التوفير في الفواتير يراوح بين 35 و100%. وقال لـ«الجمهورية» انّ القضاء سيتحرك لمحاسبة كل صاحب مولّد أطفأ مولده لساعتين أمس. وشرح انّ كل صاحب مولّد اقتيد الى التحقيق كان بسبب ممارسات غير قانونية قام بها من خلال التهويل على الناس، ومحاولة سرقتهم.