بعد عمليات كرّ عسكري وفرّ إرهابي، نجح الجيش أمس في صدّ هجوم مباغت شنّته مجموعات مسلّحة صباحاً على مركز مراقبة في تلة الحمرا في عمق جرود رأس بعلبك المحاذية للحدود مع سوريا موقعاً في صفوف المسلحين «خسائر جسيمة» وفق ما أكدت مصادر عسكرية رفيعة لـ«المستقبل»، لافتةً في الوقت عينه إلى كون «المعركة لا تزال مفتوحة» وأنّ المهاجمين كانوا «عبارة عن جحافل من المسلحين الإرهابيين تصدّت لهم الوحدات العسكرية بمختلف أنواع الأسلحة المناسبة فتمكنت من إسقاط عدد كبير منهم بين قتيل وجريح».

عليه، وذلك بعد معارك عنيفة وشرسة جداً استمرت من ساعات الفجر الأولى حتى منتصف النهار»، واضعةً الهجوم الذي حصل في إطار الرد على النجاحات التي يحققها الجيش لناحية تحصين الحدود سواءً في مواجهة المتسللين من الجرود أو في ضبط وتفكيك السيارات المفخخة، فضلاً عن كون «المجموعات المسلحة استعادت في الأيام الأخيرة القدرة أكثر على التحرك في المنطقة الجردية في ضوء تحسّن الأحوال الجوية وارتفاع درجات الحرارة».

وإذ نعت قيادة الجيش ليلاً 5 شهداء سقطوا خلال المعركة، هم الملازم الأول الشهيد أحمد محمود طبيخ (1987 بعلبك، متأهل)، الرقيب الشهيد محمد نيازي ناصر الدين (1983 الهرمل متأهل وله ولد)، الجندي الشهيد بلال خضر أحمد (1986 عكار، متأهل وله ولد)، المجند الشهيد محمد علي علاء الدين (1995 جديدة مرجعيون) والمجند الشهيد حسن رمضان ديب (1992 عكار)، تداولت أنباء متواترة ميدانياً معلومات غير رسمية عن فقدان الاتصال بأربعة عسكريين إثر الهجوم الإرهابي، غير أنّ المصادر العسكرية رفضت الخوض في أعداد المفقودين مكتفيةً بالتشديد على وجوب التريّث في تحديد مصير كل منهم ربطاً بجملة احتمالات وفرضيات لا تزال قيد التدقيق، من بينها إمكانية أن يكونوا قد انفصلوا عن وحداتهم وتواروا في الجرود لضرورات تكتيكية تحت وطأة كثافة النيران أثناء المعارك.

وكان مراسل «المستقبل» في راس بعلبك قد أفاد إبان اندلاع المعركة أنّ الهجوم على الموقع المستهدف في تلة الحمرا في جرود المنطقة حصل بداية حينما كانت دورية عسكرية تقوم بأعمال كشف على المكان حيث سبق أن عملت فرق الهندسة التابعة للجيش على إنشاء موقع ثابت هناك قبل هبوب العواصف الجوية الأخيرة، مشيراً إلى أنّ الدورية تعرضت بشكل مباغت إلى وابل من النيران من قبل المهاجمين، وعلى الفور بدأ الجيش من مرابضه بقصف أماكن تواجد المسلحين وأرسل بالتزامن تعزيزات من فوج المجوقل بالتوازي مع شن غارات جوية استهدفت بالصواريخ قوافل المهاجمين.

الجيش: استهداف المسلحين مستمر

وفي بياناتها المتلاحقة حول مجريات المعركة، أوضحت قيادة الجيش أنه «على أثر الكمين المتقدّم الذي نفذته وحدة من الجيش ليل الأربعاء الفائت لعدد من المسلحين المتسللين باتجاه حاجز وادي حميد في منطقة عرسال، وأوقع أربعة قتلى في صفوفهم، وعدد آخر من الإرهابيين في جرود المنطقة، بالإضافة إلى إحباط الجيش محاولة نقل سيارة مفخخة إلى الداخل اللبناني بتاريخ 22/1/2015، هاجمت مجموعات من التنظيمات الإرهابية صباح اليوم (أمس)، مركز مراقبة متقدماً جداً للجيش في تلة الحمرا في جرود رأس بعلبك لجهة الحدود اللبنانية السورية. وبنتيجة الاشتباكات العنيفة التي حصلت بين قوى الجيش والمجموعات الإرهابية، أحكمت هذه القوى ظهراً سيطرتها على التلة المذكورة، بعد أن قامت بطرد العناصر الإرهابية التي تسلّلت إليها، موقعةً في صفوفها عدداً كبيراً من الإصابات بين قتيل وجريح. وتستمر وحدات الجيش بتعزيز إجراءاتها واستهداف نقاط تجمع المسلحين ومسالك تحركهم في أعالي الجرود بالأسلحة الثقيلة، بالإضافة الى تمشيط منطقة الاشتباكات بحثاً عن مسلحين مختبئين«. كما كانت قد أكدت المؤسسة العسكرية في بيان سابق أنّ وحدات الجيش قامت رداً على الهجوم صباحاً «بقصف أماكن تجمعات المسلحين وطرق تسللهم بالأسلحة المناسبة»، داعيةً «جميع وسائل الإعلام إلى التزام مضامين بيانات الجيش حول مجريات المعركة و»عدم بث أي معلومات عن تفاصيل الاشتباكات الجارية، وخصوصاً أنّ بعضها قد بث معلومات غير دقيقة عن الحادث«.

سلام: لا خيار إلا الانتصار

ومساءً، تابع رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في اتصال هاتفي مع قائد الجيش العماد جان قهوجي آخر التطورات في منطقة رأس بعلبك والمواجهات التي يخوضها الجيش مع المسلحين الإرهابيبن، واستمع منه إلى عرض للوضع الميداني، مؤكداً له في المقابل دعمه الكامل للجيش في ما يقوم به دفاعاً عن لبنان وصوناً لأمن اللبنانيين. وشدد سلام في هذا السياق على أنّ «اللبنانيين يقفون صفاً واحداً وراء جيشهم، وليس أمامهم من خيار سوى الانتصار في هذه المعركة المفروضة عليهم، ولن يسمحوا لحفنة من الإرهابيين بكسر قناعتهم الوطنية والعبث باستقرارهم«.

مقاتلات من الأردن والإمارات

في الغضون، كشفت مصادر رسمية لـ»المستقبل» أنّ الجانب اللبناني تبلّغ خلال الساعات الأخيرة من الدوائر الديبلوماسية الأميركية أنّ واشنطن تسعى حالياً لتسريع عملية تزويد الجيش بطائرات حربية في سبيل تعزيز قدراته الجوّية على صد الهجمات الإرهابية في المنطقة الجردية الحدودية، مشيرةً في هذا الإطار إلى بذل مساعٍ أميركية لتسليح المؤسسة العسكرية اللبنانية بمقاتلات من دولة الإمارات العربية المتحدة ومن المملكة الأردنية بغية الاستفادة من عنصر قربهما الجغرافي من لبنان في سبيل مواجهة العمليات الإرهابية بانتظار وصول أسلحة الجيش.