كرِّم الكنيسة الجامعة تذكارَ القدّيسة بربارة في 4 كانون الأوّل وتطلب شفاعتها. إنّما يختلف المؤرّخون في تحديد زمن ولادتها واستشهادها. فقد ارتأى بعضهم أنّها نالت إكليل الشهادة عام 235م إبّان الإضهاد السابع الذي أثاره الإمبراطور مكسيمانوس الغوثيّ ضدّ المسيحيّة، ومِمّا يؤكّد صحّة هذا الرأي ، ما جاء في قصّتها، أنّها راسلت العلّامة أوريجانس المتوفّي عام 255.

ولادتها ونشأتها
ولدت بربارة في أوائل القرن الثالث للميلاد في مدينة "نيقوميدية" ، وكانت الإبنة الوحيدة لوالدها "ديوسقورس"الوثنيّ المتعصّب الذي اشتهر في قومه بالغنى الفاحش والجاه وقساوة القلب ، وبكرهه للمسيحيّة. أمّا وحيدته بربارة فكانت دمثة الأخلاق، لطيفة ومتواضعة، تحبّ الناس كافّة. ماتت والدة بربارة وهي صغيرة ، فأقام والدها حرساً عليها لتبقى في القصر المنيف من شدّة خوفه عليها، كما جلب لها أساتذة بارعين ليعلّموها شتّى أنواع العلوم اللغويّة والفلسفيّة والتاريخيّة، لتنشأ كسائر فتيات الأغنياء في عصرها، كما ملأ والدها جوانب القصر أصناماً لشتّى الآلهة التي كان يعبدها لتتمثّل به وحيدته بالسجود والعبادة.

اعتناقها المسيحيّة
نالت بربارة ثقافة دنيويّة عالية، لكنّها كانت تشعر بفراغ كبير في عقلها وقلبها، ، وكان بين خدمها بعض المسيحيّين فاستفسرت منهم عن إلههم الذي لايسكن في الحجارة فشرحوا لها أصول الدين المسيحيّ وأشاروا عليها بمراسَلَة العلامة " أوريجانس" أستاذ مدرسة الإسكندريّة الكبير، الذي بإمكانه أن يبسِّط أمام أمثالها من المثقّفين حقائق الإيمان المسيحيّ.
كتبت بربارة إلى أوريجانس بما يدور في رأسها من أفكار دينيّة فلسفيّة. وطلبت إليه أن يتنازل ليكون معلّماً لها، فابتهج بذلك وأجابها على رسالتها موضحاً حقائق الإيمان المسيحيّ، وأرسل لها كتاباً بيد تلميذه "فالنتيانس" الذي أوصاه أن يشرح لبربارة تعاليم الربّ يسوع. لمّا قرأت بربارة رسالته امتلأت من الروح القدس، وبشجاعة فائقة أدخَلت فالنتيانس إلى قصرها ليكون أحد أساتذتها، فلقَّنها أصول الإيمان المسيحيّ، وشرح لها عقيدة التجسُّد الإلهيّ، وبتوليّة العذراء مريم والدة الإله. وبعد أن تعمّقت بأصول المسيحيّة، طلبت أن تنال نعمة المعموديّة، فعمَّدها الكاهن فالنتيانس، وكرّست نفسها للربّ يسوع، وكانت تواظب على الصلاة والتأمّل بسيرة الفادي ليلاً ونهاراً، وازداد احتقارها للأصنام التي ملأ أبوها القصرَ بها.

رفضها الزواج بوثنيّ
طلب يد بربارة أحد أبناء النبلاء من الوثنيّين في "نيقوميدية"، ففاتحها أبوها بذلك فرفضت الإقتران به، محتجّة برغبتها في البقاء إلى جانب أبيها وصعوبة فراقه والابتعاد عنه.فقرّر أبوها أن يعَوِّدها الافتراق عنه فسافر إلى مدينة أخرى بضعة أيّام.

تحطيمها الأصنام وتقديسها الثالوث
انتهزت بربارة فرصة غياب أبيها عن القصر فأكثرَت من الصيام والصلاة والتأمّل بالكتب المقدّسة وسِيَر القدّيسين، كما حطّمت أصنام أبيها الكثيرة المنتشرة في جوانب القصر، وكان أبوها قد أمر أن يُشيَّد لها حمّاماً خاصّاً في القصر ويُجعَلَ فيه نافِذتان، فأمرَت البنّائين أن يفتحوا شبّاكاً ثالثاً كي يكون عدد الشبابيك التي يدخل من خلالها النور على عدد الثالوث الأقدس.

ظهور السيّد المسيح لها
ظهر لها الربّ يسوع بهيئة طفل صغير جميل جداً، فسُرَّت بذلك لحظاتٍ من الزمن ثمّ انقلب سرورُها حزناً عميقاً لمّا تغيّرت هيئة الطفل الإلهيّ، إذ تخضَّب جسمه بالدم، فتذكّرت الفادي وتحمُّله الآلام والصلب في سبيل فداء البشريّة.
وكانت الملائكة تظهر لها وتعزّيها وتشجّعها، وهكذا عاشت بربارة السماءَ وهي لا تزال على الأرض وشابهت الملائكة طُهراً ونقاء.

معرفة أبيها باعتناقها المسيحيّة
عندما عاد أبوها "ديوسقوروس" من رحلته ووجد أنّها قد حطّمت أصنامَه، هاج كالوحش الكاسر وأوشك في ثورة غضبه أن يقضي عليها ضرباً وتجريحاً، ولكنّها هربت من أمام وجهه. وبعد أيّام فاتحها ثانيةً بأمر تزويجها من شابّ وثنيّ، فرفضت مُعلِنةً أنّها قد وهبت نفسَها للربّ يسوع، فخرجَ عن طَوره وكاد أن يفتك بها مُعتبراً كلامها إهانة له ولدينه الوثنيّ، وحاول أن يوضح لها أنّها إذا بقيت على هذه الحال سوف تجعله يفقد مركزه المرموق في الدولة. هدّدها بأنّه إذا بقيت مسيحيّة سوف يغسل عارَه بسَفك دمها بيدَيه. هنا طلبت منه بربارة أن يستمع لها، ولو لمرّة واحدة، فشرحت له بُطلان عبادة الأوثان. عندها، استشاط غَيظاً وشكاها إلى حاكم المدينة.

اعترافُها بالمسيح جهراً
بناءً على شكوى والدها، استدعاها الحاكم ليُقاضيَها أمام الجمهور وحاول إغراءَها بالوعود الذهبيّة إذا تراجعت عن إيمانها بالمسيح، لكنّه باء بالفشل عندما أظهرت احتقارها لكلّ ما في العالم من مال وسلطة، وافتخارها بالمسيح يسوع... فأمر الحاكم بتكبيل بربارة، ثم عرَّوها من ثيابها وجلدوها بسياط مسنَّنة كالسكاكين، فتمزّق جسدُها وهي صابرةٌ لا تشتكي، بل تُمجِّد المسيح وتسأله أن يمنحها القوّة لتعترف به أمام المحكمة. في اليوم التالي أمر الحاكم باستجوابها علانيّةً، فتعجَّب الحاضرون جدّاً إذ رأوا جسمَها خالِيًا من آثار السياط. وحاول الحاكم ثانيةً إغراءَها، وإذ لم تؤثّر فيها وُعوده ووَعيده، أمر بتهميش ساقَيها بأمشاط من حديد. كما حرقوها بمشاعل مَوقودة، وضربوها بشدّةٍ على رأسِها وقطعوا ثديَيها، ثمّ ملَّحوا جسدها المُثخَن بالجُروح... كلّ هذا حدث وهي تسبِّح الله وتعلنُ إيمانَها بيسوع.

مواصلة جهادها وتحمّلها العذاب
أعادوا بربارة إلى سجنها المظلم وفي اليوم الثاني قادوها أمام الحاكم، ولكم كانت دهشة الناس عظيمة إذ رأوها بكامل صحّتها، فنسب الوالي شفاءَها إلى آلهته. قال لها هذا الأخير: "أنظري كيف استطاعت الآلهة أن تحميكِ!"، فأجابت بربارة: "لو كان لأصنامك حياة لاستطاعت أن تحمي نفسها في اليوم الذي حطّمتُها في قصر أبي. الإله الحيّ هو الذي ضمّد جروحي".
فاستشاط الحاكم غضباً وطلب من جنوده أن يقطعوا رأس بربارة بعد جرِّها في الشوارع عارِيَةً، فسترَها الله بضِياءٍ سماويّ.

استشهادها بيد أبيها
طلب أبوها من الحاكم أن يأذن له بقطع رأسها بيده فسمح له بذلك، فقادها أبوها الى خارج المدينة وهو يزبد، وعندما وصل إلى قمّة الهضبة، جثت بربارة على الأرض وضمَّت يدَيها إلى صدرها على شكل صليب وحنت هامتَها، فتناول أبوها الفأس وهَوى به على عُنُقها وقطعَه.