نسلّط الضوء في مقال اليوم على تحقيقات المرفأ، بعد ان استدعى القاضي بيطار قيادات أمنية وسياسية من الصف الاول، وهي خطوة مطلوبة من اللبنانيين. ونستكمل في الاسبوع المقبل شرح خطتنا لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

 

المؤسف اليوم، انّه بعد نحو سنة من التحقيقات، لم نتوصل الى اجوبة دقيقة تتعلق بظروف إدخال الشحنة وابقائها في المرفأ حتى انفجرت (وكأنّ النية كانت لإبقائها حتى تنفجر، لأنّه لم تُتخذ اي اجراءات جدّية لإزالتها، كما انّ ظروف تخزينها كانت كارثية).

 

ومن هنا، نعيد تأكيد اهمية الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة في عمل الدولة. فالمراسلات الادارية المتعدّدة التي تمّ توجيهها في هذا السياق، كانت ستكون متاحة للجميع، وسيعرف اللبنانيون ما الخطر الموجود في المرفأ، الخطر المحدق ببيروت وأمنها وخطر الموت على الناس، خطر يشابه التعرّض لقنبلة ذرية. فلو أدرك الناس هذا الخطر لكانوا رفضوا العيش في جوار قنبلة موقوتة. ولو استمر التجاهل في هذا السياق ولم تُتخذ اجراءات لمعالجة الوضع، لكان أهل بيروت ضغطوا واعتصموا وتظاهروا حتى إسقاط الحكومة وإقالة جميع المسؤولين عن هذا الوضع الشاذ من مراكزهم.

 

انّ غياب الشفافية في الوطن يدمّر الاقتصاد ويهدر المال العام ويسمح بالسرقات. وأضافت كارثة بيروت على هذه الحقيقة، انّ غياب الشفافية يستطيع ان يهدّد الارواح والأمن القومي وسلامة الناس.

 

كان على المسؤولين متابعة الموضوع بجدّية. فلا يكفي حين معرفتهم بتوجيه رسالة ادارية وتنتهي مسؤوليتهم، عليهم التحرّك بكل الوسائل، واذا لم تتمّ المعالجة كان عليهم فضح المسألة وابلاغ الشعب، لأنّ السكوت عنها وعدم التحرك يُعتبران سكوتاً عن جرم وامتناعاً عن المساعدة.

 

وفي قانون الجرائم اللبنانية، يُعتبر من وُجد في مواجهة شخص في حالة الخطر بسبب حدث طارئ أو بسبب صحي، وكان في وسعه إغاثته أو إسعافه، بفعل شخصي أو بطلب النجدة، ومن دون أن يُعرّض نفسه أو غيره للخطر، وامتنع بمحض إرادته عن ذلك، يُعتبر جانياً ويتعرّض للعقوبات.

 

ننتظر اليوم كثيراً من الاجوبة، وهي حق للشعب اللبناني، من المسؤولين عن هذه المأساة، من استفاد منها، وكيف بدأت، ومن ساهم عن جهل او تواطؤ او اهمال فيها، منذ اللحظة الاولى لإدخال السفينة وصولًا الى الانفجار. والملفت، انّه حتى اليوم لم يتأكّد اسم مالك الشحنة ووجهتها النهائية، بعد ان اتضح وجود عدد من الاسماء الوهمية في سياق غير مترابط.

 

لم يعد مقبولاً أن نستمر من دون شفافية مطلقة وبيانات مفتوحة، بل أن تصبح كل حساباتنا واعمالنا وقراراتنا ومراسلاتنا الادارية على الانترنت، ليتسنى لأي كان الإطلاع عليها. العمل في الظلمة يجب ان ينتهي الى غير رجعة. إخفاء الحقائق عن اللبنانيين اثبت انّه خطير على كل الصعد، بدءاً من فضائح مصرف لبنان المركزي ومالية الدولة التي افلست اللبنانيين، مروراً بالهدر والسرقة وصولاً الى انفجار المرفأ.

 

والأسوأ، انّ السلطة تستمر في النهج نفسه، فهي خصّصت يوم عطلة لذكرى ضحايا كارثة المرفأ. إحياء الذكرى أولاً يكون بكشف الحقيقة كاملة والمحاسبة من دون قيد او شرط. إحياء الذكرى يكون بزيادة الانتاج وعدم مراكمة الخسائر بالتعطيل. انّ التعطيل ليس تكريماً للضحايا، التكريم يكون برفض الموت ومواصلة الإنتاج، لنخلق بلداً يؤمّن حياة كريمة للبنانيين ولعائلات الضحايا.